أثر برس

السبت - 27 أبريل - 2024

Search

كتب زياد غصن.. في استطلاع رأي شمل 72 عضواً تدريسياً في كليات الاقتصاد (2-2): 58.4% ليسوا مع الدعم الحالي و 27.2% يؤيدون حل وتصفية الشركات الخاسرة

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس في الجزء الثاني من استطلاع الرأي، الذي شمل حوالي 72 مدرس وأستاذ مساعد وأستاذ جامعي وخمسة طلاب دراسات عليا من كليات الاقتصاد في جامعات دمشق، حلب وتشرين، تم طرح أسئلة تتعلق بثلاثة ملفات اقتصادية مثارة حالياً ألا وهي: مستقبل الدعم الاجتماعي والإنتاجي، أسباب خسارة مؤسسات القطاع العام وخطوات إصلاحها، وطريقة الإصلاح المثلى.

لم نشأ بداية الخوض في تحليل تجربة الدعم الحكومي وما يعانيه من مشاكل وتجاوزات كثيرة لأنه قيل الكثير في هذا المجال، ولذلك فقد تم الاستعاضة عن ذلك بطرح ثلاثة أسئلة عن موقف المستطلعة آراؤهم من الدعم الحالي والشكل الأفضل له مستقبلاً، وبحسب نتائج الاستطلاع فإن النسبة الأكبر من المبحوثين، والبالغة 58.4%، قالت إنها ليست مع استمرار الدعم الحكومي بشكله الحالي، وهذا أمر عبرت عنه مداخلات معظم الاقتصاديين في ورشات النقاش التي جرت في كليات الاقتصاد التي جرت في كليات الاقتصاد في الجامعات المذكورة، إلا أن المفاجئ في الإجابات المسجلة على هذا السؤال هو الفئة المؤيدة لاستمرار الدعم بشكله الحالي والبالغة نسبتها حوالي 40.2%، ويبدو أن هذا الموقف ناجم ليس عن القناعة بجدوى الشكل الحالي للدعم، وإنما خوفاً من الإجراءات الحكومية البديلة والتي لم تكن موفقة سابقاً أو اعتقاداً أن هناك مشروعاً ما لتخلي الدولة عن الدعم نهائياً.

لكن ما البديل المقترح للشكل الحالي للدعم؟

بحسب قناعة الرافضين لاستمرار الدعم بشكله الحالي فإن النسبة الأكبر والبالغة 46.6% ترى أن يستبدل الدعم بمبالغ نقدية تقدم للأسر المستحقة، في حين أن 33.3% تؤيد فكرة أن يتم التوجه نحو تحديد الشريحة الاجتماعية التي تحتاج للدعم، و8.8%  تقترح تقليص الدعم بشكله الحالي تدريجياً وتحويله إلى أشكال أخرى، والنسبة نفسها أشارت إلى ضرورة حصر الدعم بسلع وخدمات محددة.

الملف المزمن:

منذ ما يزيد على عقدين من الزمن، وإصلاح القطاع العام يشكل عنواناً أساسياً للنقاشات والحوارات الاقتصادية على مستويات مختلفة، إنما من دون أن يسفر ذلك عن خطوات محددة تؤشر إلى وجود إرادة حقيقية بإصلاح ذلك القطاع، وبعد 13 عاماً من حرب كارثية تعرضت لها البلاد وما قادت إليه من تدهور اقتصادي خطير فإن إصلاح القطاع العام لم يعد خياراً يمكن أن ينتظر، وإلا فإن مؤسساته ستكون معرضة فعلاً للانهيار، وبناء على ذلك خصصنا في استطلاع الرأي الذي أجريناه ثلاثة أسئلة رئيسية عن واقع هذا القطاع، فكان السؤال الأول محاولة لتلمس أسباب خسارة مؤسسات هذا القطاع، لاسيما وأن فترة الحرب أضافت أعباء جديدة أسهمت في تعميق معاناة مؤسسات القطاع العام وشركاته، وخلصت النتائج إلى أن 31.1% من المبحوثين ردت أسباب الخسارة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة الهدر والفساد والعمالة الفائضة، و 25.9% قالت بأن السبب الأول يكمن في ضعف الإدارات وفساد بعضها، وحوالي 24.6% حملت المسؤولية للتشريعات والأنظمة الحكومية التي تعاملت مع جميع المؤسسات والشركات بمسطرة واحدة من دون أدنى مراعاة لخصوصية عمل كل منها، والمثال الأوضح على ذلك يتمثل في قوانين العاملين الموحد، العقود، القانون المالي.. وما إلى ذلك.

أما 6.4% فقالت إن السبب الأول يكمن في الأجور والرواتب المتدنية، والتي كانت إحدى مفرزات سياسية التوظيف الاجتماعي وأدى تفاقمها على مدار السنوات السابقة إلى تراجع إنتاجية العامل، ضعف الانتماء، الفساد الإداري والمالي.. وغير ذلك، وهناك 2.5% من المبحوثين صوتوا للسبب المتعلق بآلية اتخاذ القرار ذات البعد الهرمي والمركزي، والذي أفقد المؤسسات والشركات ميزة المرونة والسرعة في اتخاذ القرارات والتجاوب مع المتغيرات المؤثرة على عمل تلك الجهات، وأخيراً كان هناك من يعتقد أن منافسة القطاع الخاص واستقطابه للخبرات واستحواذه على السوق تمثل السبب الأول لاسيما في ظل ما يعانيه القطاع العام من ضعف صلاحيات وقدم أنظمة وخطوط إنتاج وانخفاض أجور ورواتب.

وخلال العقدين الأخيرين، قدمت اللجان التي تم تشكيلها لإصلاح القطاع العام برامج إصلاحية عدة أو وصفات لم تجد طريقها للتنفيذ، وأحياناً جرى تنفيذ القليل من بنودها بشكل محدود وخجول من قبيل تعديل بعض التشريعات وتطبيق تجارب محدودة، لكن يبدو أن الوضع الذي آل إليه القطاع العام بعد كل تلك السنوات، وفقدان الثقة بإمكانية تحويله إلى قطاع رابح -ونحن هنا نتحدث عن المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي الإنتاجي- يجعل من الخيارات التي كانت مستبعدة سابقاً متاحة اليوم على الأقل على مستوى التفكير، فمثلاً أن يؤيد 27.2% خيار حل وتصفية الشركات الخاسرة فهذا كان سابقاً كان بمنزلة خط أحمر لاعتبارات إيديولوجية واجتماعية، إلا أنه اليوم لم يعد خياراً مستبعداً، لاسيما وأن هناك تجربة أولى تمت في هذا السياق وتمثلت بتصفية شركة توزيع المطبوعات، وكذلك الأمر بالنسبة لخيار تحويل المؤسسات والشركات إلى شركات مساهمة تتملك الدولة أسهمها بالكامل وتعمل وفقاً لقانون التجارة، ومؤيدو هذا الخيار بلغت نسبتهم حوالي 25%.

هناك من يرى الموضوع من منظور آخر، فهو يعتقد أن تحرير المؤسسات والشركات العامة من القوانين والأنظمة المقيدة والمعرقلة من شأنه أن يسهم في إعادة هيكلة مجدية للقطاع العام ونسبة هؤلاء بلغت 10.3% متقدمين بذلك على شريحة أخرى 9% تعتقد أن إعادة الهيكلة يجب أن تبدأ من زيادة الأجور والتعويضات، و2.5% ترى بأن الأولوية هي لمعالجة مشكلة العمالة الفائضة، و 1.2% لمعالجة ظاهرة ارتفاع تكاليف الإنتاج والخدمة.

الصدمة بالعلاج:

واحدة من المشاكل الرئيسية التي تعاني منها العديد من مؤسسات وشركات القطاع العام تتمثل في العمالة الفائضة، والتي نشأت بفعل عدة عوامل منها سياسة التوظيف العشوائي، توقف بعض الشركات عن العمل، زيادة عدد المؤسسات الوسيطة، وغيرها، ولذلك فإن معالجة مشكلة العمالة الفائضة في بعض المؤسسات والقطاعات الحكومية تشكل كإحدى الضرورات الاقتصادية الهامة في عملية إعادة هيكلة القطاع العام، لكن من دون أن يترك أي قرار تبعات اجتماعية ومعيشية تؤثر على حياة أسر العمال. وعليه فقد حاولنا في السؤال ما قبل الأخير استشراف الخيار المفضل لدى أعضاء الهيئة التدريسية في كليات الاقتصاد لمعالجة هذه المشكلة، فجاءت النتائج على النحو التالي:

-في المقام الأول صوت حوالي 37.6% لخيار مشروع التقاعد المبكر، والذي كانت قد طرحته سابقاً حكومة عطري قبل أن تعاود وتتجاهله وذلك على خلفية ما قد يشكله من عبء مالي كبير على مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وتطبيق مثل هذا الخيار اليوم يمكن أن يكون محصوراً فقط بالمؤسسات والشركات التي تعاني من مشكلة العمالة الفائضة، بحيث تتولى الخزينة العامة تبعاته المالية وهي من دون شك ستكون أقل من الإنعكاسات الإيجابية المتحققة لاحقاً.

-هناك من أشار إلى أن معالجة المشكلة تبدأ بوقف التوظيف مؤقتاً أو تقليصه وإعادة توزيع العمالة الفائضة بين المؤسسات تبعاً لاحتياجات كل منها، ونسبة مؤيدو هذا الخيار 28.5%.

-خيار آخر جوهره مساعدة العمال الراغبين بالاستقالة على تأسيس مشروعات صغيرة، سواء من خلال مساعدتهم بالأفكار أو منحهم قروض صغيرة. ونسبة مؤيدي هذا الخيار بلغت 24.6%.

-صرف العمال غير المنتجين شكل الخيار الأقل تأييداً بين المبحوثين لانعكاساته الاجتماعية والمعيشية على الأسر المعنية، وهو خيار مستبعد حكومياً، بحيث لم تتعد نسبة التأييد له 6.4%.

السؤال ما قبل الأخير تركز على بيان الموقف من اتباع أسلوب الصدمة في العملية العلاجية للأوضاع الاقتصادية في البلاد، وبحسب ما خلصت إليه النتائج، أكد 53.2% من المبحوثين أنهم مع اتباع هذا الأسلوب لكونه يختصر الوقت والكلفة 46.3%، يعجل من تحقيق نتائج الإصلاح 34.1%، ويسهم في تحييد المقاومين للتغيير 14.6%.

في المقابل، هناك 46.7% لا يؤيدون مثل هذا الأسلوب، والسبب برأي 50% هو انعكاساته السلبية على الوضع المعيشي، و6.1% لقناعتهم بإمكانية حدوث انحرافات خطيرة، و2.7% لتخوفهم من إمكانية زيادة ردة الفعل السلبية لدى المواطنين.

استنتاجات هامة:

– لم تكن الاستجابة كما توقعنا رغم المساعدة التي قدمها السادة: وزير التعليم العالي وعمداء كليات الاقتصاد في الجامعات الثلاث المذكورة أعلاه. وهذا ناجم إما عن عدم ثقة أعضاء الهيئة التدريسية بالجدوى من مشاركتهم في هكذا استبيان، أو لأن بعضهم يفضل الابتعاد عن التعاطي مع الشأن العام بدليل إغفال معظمهم للاسم عند الإجابة.

– ما خلص إليه هذا الاستبيان المحدود من نتائج يظهر الحاجة إلى إشراك أكبر لأعضاء الهيئة التدريسية في مناقشة قضايا الشأن العام، وذلك بغية تحفيزهم على المشاركة في توصيف الواقع واقتراح الحلول، والأهم مساعدتهم في توجيه وتنشئة الكوادر الاقتصادية نحو تلبية احتياجات البلاد في المرحلة القادمة.

– في المقابل بعض الأساتذة المعروفين، وعددهم للأسف قليل جداً، أجابوا بمهنية وجرأة على الأسئلة، وقدموا اقتراحات واضحة وجديرة بالبحث والنقاش والتطبيق.

 

اقرأ أيضاً