أثر برس

الأحد - 28 أبريل - 2024

Search

دمشق وكردها: المُعلن والمَسكوت عنه بشأن أمريكا

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس من الصعب تصوّر أوضاع مستقرة وآمنة شرقي سوريا، ذلك وأن الوجود الأمريكي “لا يقيني”، وهو مُهدد بتزايد عمليات المقاومة ضده، كما توجد فواعل وقوى أخرى مؤثرة مثل: إيران وروسيا وتركيا، وبالطبع الدولة السورية، وبيئة اجتماعية يُفترض أن لديها قابلية ونزوعاً متزايداً لمناهضة الاحتلال الأمريكي و”مشروعه” في منطقة الجزيرة السورية.

والوجود الأمريكي “لا يقيني” من منظور “الإدارة الذاتية” أيضاً، بوصف أن أمريكا موجودة لأسباب عدة تتجاوز “الإدارة الذاتية” نفسها. ولا تنظر أمريكا لـ”الإدارة” بوصفها “حليفاً رئيساً” أو “حليفاً حيوياً”، بل شريكاً طارئاً أو تكتيكياً أو جزئياً، وأقرب لـ”ورقة” قابلة للاستخدام، كما أن دعمه لـ”الإدارة” يتأثر باعتبارات أمريكية حيال تركيا وكيان الاحتلال الإسرائيلي وإيران والعراق وسوريا وروسيا.

والآن، هل يمكن الحديث عن معلن ومضمر أو مسكوت عنه بشأن الموقف من أمريكا، وخاصة لدى “الإدارة الذاتية”، ولا نعني بـ”المضمر” أو “المسكوت عنه” في الموقف أنه أمر “سري” أو “متنكر له” بالتمام، بل إنه مما يحاول فواعل السياسة “تجاهله في العلن” في حين أنه يمثل محدداً رئيساً في السياسات الفعلية.

تطورات متمفصلة

يمكن الحديث عن تطورات “متمفصلة”، ومتزامنة تقريباً، بشأن منطقة الجزيرة السورية والموقف بين عدد من أطراف هناك، ومن ذلك مثلاً:

-أولاً:

“المبادرة” لحل الأزمة، وتأكيدات “الإدارة الذاتية” المستمرة على أنها في أفق دولة واحدة، إنما “لا مركزية”.

تتحدث “المبادرة” عن وحدة الأراضي السورية، وأن موارد النفط والغاز في منطقة الجزيرة هي “لجميع السوريين”، وعن إقامة نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي. وتطالب الدول العربية بالتدخل للمساعدة في “حل ديمقراطي” للأزمة السورية.

-ثانياً:

ما يقال عن خطة أمريكية لـ”إعادة هيكلة الإدارة الذاتية” وقوات “قسد”، وتشكيل ميليشيات محلية (موالين لأمريكا) من العشائر العربية باسم “جيش سوريا الحرة” لمواجهة ما تعده أمريكا خطراً متزايداً عليها.

-ثالثاً:

هو اهتمام دمشق بدعم أو تشكيل بنى وفصائل من العشائر العربية مقاومة للوجود الأمريكي في منطقة الجزيرة، وخاصة في خط الفرات، ودعم العشائر العربية المناهضة والرافضة لسيطرة “قسد”.

-رابعاً:

هنا لابد من التنبه إلى أن “قسد” لم تتحرك التحرك المطلوب أمريكياً ضد الهجمات المتكررة التي تنفذها فصائل مقاومة (من سوريا والعراق) على عدد من القواعد الأمريكية في منطقة الفرات والجزيرة (رداً على الموقف الأمريكي في حرب غزة). وهنا ربما أخذت “قسد” أو بعض فواعل القرار فيها تقرأ الأمور وفق مدارك تهديد متزايدة، وأن اعتماد الأمريكي يمثل خطراً أيضاً، وخاصة أن أمريكا وسعت “سماحياتها” لتركيا باستهداف “قسد” ومناطق “الإدارة الذاتية”.

– خامساً:

هو أن أمريكا لم ترد الرد المتوقع على الهجمات المتكررة التي تنفذها فصائل مقاومة ضد مواقع لها في الجزيرة وخط الفرات في سوريا، مخافة أن تتسع دائرة المواجهة توسعاً يمكن أن يوثر في أولوياتها في حرب غزة.

المسكوت عنه كردياً:

هل نتحدث عن المعلن والمسكوت عنه المتعلق بأمريكا في منطقة الجزيرة، وسبق الحديث عن “متلازمة أمريكا” في العلاقة بين دمشق وكردها؟ ويبدو أننا ذكرنا ما لم يشأ أو ما لم يتمكن فواعل “الإدارة الذاتية” من مجرد الإشارة إليه، ذلك أن خطاب “الإدارة” عن الحل (منظوراً إليه من دمشق) وخاصة المبادرة التي أعلنتها (18 نيسان 2023) “يسكت عن أشياء أكثر مما يفصح”، وربما “يُبطِنُ أو يضمر أكثر مما يُظهِر”. ويبدو أنه (منظوراً إليه من دمشق أيضاً) يتحدث في كل شيء إلا ما يجب أن يتحدث عنه، أي الوجود الأمريكي في منطقة الجزيرة السورية، ودور أمريكا بالذات في كثير مما يجري في تلك المنطقة، وخاصة التهيئة لإقامة كيانية انفصالية أو شبه انفصالية بعنوان الفدرالية أو اللامركزية.

والآن، يجب أن نستدرك في ما ورد أعلاه حول “المسكوت عنه” بشأن أمريكا، والواقع أن هذا يحدث في حالة التخاطب أو التراسل العلني مع دمشق، كما هو حال المبادرة للحل أو التسوية المذكورة أعلاه.

لكن واقع الحال مختلف في مخاطبة أمريكا نفسها وكذلك مخاطبة الغرب، إذ تركز الإدارة على أولوية التحالف مع أمريكا في محاربة “داعش” وفي حماية مناطق السيطرة في منطقة الجزيرة وشرقي سوريا، من القوى والفواعل التي تريد “تفكيك” الإدارة و”تدمير” مشروعها. وقال مظلوم عبدي قائد قوات “قسد” في مقال نشرته جريدة “واشنطن بوست“: “نحن حلفاء أمريكا الأكثر ولاء في سوريا. لا تنسونا”. (4 كانون الأول/ديسمبر 2022). صحيح أن كلام عبدي يركز على ما يسمى “الحرب ضد داعش”، ويطلب الدعم تجاه الاعتداءات التركية، لكن المضمر في خطابه يتجاوز ذلك، كيف؟

تذهب الأمور (منظوراً إليها من دمشق) إلى أبعد من ذلك، بالإحالة إلى أن تحالف “قسد” مع أمريكا يهيئ للأخيرة قاعدة مهمة لمواجهة موسكو وطهران وبالطبع دمشق، بوصف أن الأزمة السورية هي أزمة إقليمية ودولية. وما يسكت عنه مقال وخطاب عبدي يفصح عنه قادة آخرون من “الإدارة الذاتية”، وتفعل ذلك المنابر الإعلامية والسياسية في الإدارة، بالحديث المتكرر عن التحالف بين دمشق وطهران والدور الروسي في سوريا، بوصفه تحدياً مشتركاً ومصدر تهديد لـ”الإدارة الذاتية” وأمريكا في آن.

إفصاح دمشق: أمريكا علة العلل

مرة أخرى، هل قلنا “متلازمة” أمريكا بين دمشق وكردها؟ يبدو أن هذا ما يتم تركز عليه دمشق تركيزاً كبيراً في قراءة وتحليل المشهد في منطقة الجزيرة السورية، لدرجة تبدو معها أمريكا “علة العلل” في كل ما يجري هناك تقريباً، و”إكسير الحياة” لـ”الإدارة الذاتية” و”مشروع الكيانية” في منطقة الجزيرة السورية وخط الفرات. ثمة بالطبع عوامل تأثير وتدخل خارجي من قبل عدد من الدول والشبكات العابرة للحدود.

ومهما كان الدعم الأمريكي لـ “الإدارة” و”قسد” في منطقة الجزيرة، فهذا (من منظور دمشق) ليس هو المقصود أمريكياً بالتمام، إذ إن أمريكا ليست مهتمة بالكرد والديمقراطية والحرية والتنمية في منطقة الجزيرة، وإنما أن تكون مشروع “الإدارة الذاتية” بمنزلة “ذريعة” و”ذراعاً” في آن:

-“ذريعة” للوجود الأمريكي بزعم دعم حلفاء يحاربون ضد “داعش”، ولديهم رؤى متقاربة حيال دمشق وطهران وموسكو.

– “ذراع” ليس ضد دمشق فحسب، وإنما حلفاؤها أيضاً، وقد تكون كذلك ضد تركيا أيضاً.

الواقع أن أمريكا تزيد أعداد قواتها في عدد كبير من القواعد المطارات والمراكز والنقاط العسكرية في منطقة الجزيرة، وخاصة في خط الفرات وحقول النفط ومناطق الحدود مع العراق، وبالطبع في قاعدة “التنف” جنوباً في مثلت الحدود مع العراق والأردن وتركيا. وتجري دوريات مشتركة مع “قسد” من جهة ومع القوات التركية من جهة أخرى. ولا تتعرض القوات والمواقع الأمريكية المنتشرة في مساحات واسعة لهجمات من قبل تنظيم “داعش”!.

في الختام:

تريد أمريكا هندسة الأمور في منطقة الجزيرة، لتضبط المشهد وفق أولوياتها هي بالذات، والتي تقتضي: دعم الإدارة الذاتية لاعتبارات تخص سوريا والمشهد الإقليمي. وضبطها (أي الإدارة الذاتية) لاعتبارات تخص تركيا، وإلى حد ما التكوينات العربية في المنطقة المذكورة، طالما أن الهدف الأمريكي هو الإعداد لبقاء بعيد الأمد!.

وهكذا، فإن دمشق وكردها، يقول كل منهما ما يسكت عنه أو يضمره الطرف الآخر، في سجال لا يتوقف يعبّر عن عمق الخلاف في المواقف والسياسات بينهما، وصعوبة تجسير الفجوة على خط دمشق-القامشلي. تقول دمشق إن أمريكا هي “علة العلل”، كما سبقت الإشارة، و”تسكت” إلى حدٍ ما عن العوامل الأخرى –وهي كثيرة_ التي أنتجت واقعاً أدى في نهاية المطاف إلى وجود أمريكا نفسها في المنطقة، في حين تقول “الإدارة الذاتية” و”قسد” إن أمريكا هي “ضمانة وجودية” لها، و”تسكت” عن العوامل والرهانات الأخرى –وهي كثيرة أيضاً_ التي تتمثل في النزوع نحو كيانية انفصالية أو شبه انفصالية.

يبقى أن ثمة حاجة وجودية بالفعل، وليس متخيلة أو مؤدلجة أو رغبوية، إلى حوار عميق بين دمشق وكردها، يرتكز على أولوية سورية بوصفها بلداً واحداً ومجتمعاً واحداً، من دون إرهاب وتدخل خارجي، ومن دون رهانات كيانية مهما كانت، بوصفها بلداً قابلاً للاستمرار والاستقرار.

الدكتور عقيل سعيد محفوض

اقرأ أيضاً