منذ خمسة قرون تشهد العلاقات الروسية التركية علاقة ندية وفي العصر الحديث أيضاً شهدت العلاقات بين البلدين توتراً ملحوظاً أودت بحياة السفير الروسي وسط العاصمة التركية أنقرة، لكن “رجب طيب أردوغان” سارع إلى تصحيح المواقف وقام بزيارة إلى موسكو تم الاتفاق خلالها على ضرورة التعاون بين البلدين لحل الحرب في سوريا بطريقة سلمية، كما حرص الطرفان على عدم طرح تفاصيل الاجتماع على الساحة الإعلامية.
فما هذا التطور المفاجئ في العلاقات بين البلدين؟ وهل مكافحة الإرهاب المنتشر في سوريا هو ما اجتمع عليه الروسي والتركي أم أن لديهم أهداف ومطامع أخرى من هذا التواجد القوي على الميدان السوري؟ وفي استعراض تاريخي سريع للصراعات بين روسيا وتركيا نجد أن روسيا كانت دائماً تعمل جاهدة لتنفتح على مصادر المياه الدافئة في العالم، وذلك من خلال الحروب التي خاضتها مع الدولة العثمانية.
ففي عام 1669م سيطر الروس على ميناء آزوف المطل على البحر الأسود المتصل بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق مضيق البوسفور وبحر مرمرة، وفي عام 1783م ضمّ الروس القرم، واندلعت في عام 1854 حرب بين العثمانيين والروس من أجل القرم. مما دعا الغرب إلى استغلال هذه العدائية بين الأتراك والروس فاستخدموا تركيا وسيلة للحد من النفوذ الروسي في العالم، لكن فيما بعد وجد الأتراك أن الغرب بدأ يتخلى عن تركيا شيئاً فشيئاً مما أجبرهم على مسايرة القوة الروسية في سوريا، فجرى الأمر بينهما بالاتفاق، كل طرف يدعم من يريد لكن دون الاقتراب من الأطماع الخاصة.
فتركيا ليس لديها الآن خيار سوى القبول بالوجود الروسي في سوريا ليحمي مصالحه فيها، فوافق على تواجد القوات الروسية مقابل موافقة روسيا على بقاء قوات “درع الفرات”، مما دعا الجانب الروسي أيضاً إلى مسايرة التركي فروسيا قبل أن تطرح أي مقترح بخصوص االشأن السوري تناقشه مع تركيا قبل أن تناقشه مع الحكومة السورية التي تعتبر حليفتها في المعركة، مثلما حصل في مقترح “مناطق تخفيف التصعيد” الذي تسرب قبل أربعة أيام عن الفصائل المعارضة الحليفة لتركيا.
والمراقب يجد أن هذا المقترح جاء بعد الضربة التركية على مواقع تابعة “لقوات سوريا الديمقراطية” المدعومة أمريكياً في الشمال السوري، مما يشير أن مقترح البلدات الآمنة الذي تم أيضاً بإشراف أميركي خفي جاء للتخفيف من حدة الموقف التركي حيال الأكراد في سوريا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: ماذا ستفعل تركيا بالدعم الأمريكي لــ”قوات سوريا اليمقراطية”؟
حيث نشرت صحيفة “الغارديان” مقالاً بعنوان “الأكراد يعولون على الدعم الأمريكي لشق طريقهم إلى مياه البحر المتوسط” جاء فيه: “تخطط قوات سوريا الديمقراطية إلى التقدم أكثر عبر الأراضي التي يقطنها العرب باتجاه البحر المتوسط، فعلى الرغم من أن الساحل يبعد نحو 100 كيلومتر عن حدود مناطق القوات شمال شرق سوريا. كما أن التقدم الكردي يثير تركيا ويضع البلدين على طريق الصدام حيث صدر عن مستشار للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوله إن: القوات الأمريكية التي تعاون القوات الكردية قد تتعرض للاستهداف ضمن الغارات التي تشنها تركيا على الميليشيات الكردية في سوريا”.
لكن من صالح أمريكا أيضاً أن تحافظ على علاقتها مع تركيا كونها تشترك معها بموقفها اتجاه القوة الإيرانية في المنطقة.