خاص|| أثر برس أعلنت الصين الثلاثاء الماضي، تبنيها وبشكل رسمي المصالحة بين القوى الفلسطينية “حركة المقاومة الفلسطينية- حماس” و”حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح”، لتوحيد الصف الفلسطيني، ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
وتشير المصالحة الفلسطينية التي تقودها بكين، إلى وجود نيّة لإعادة إحياء مسار محادثات السلام “الفلسطينية- الإسرائيلية”، والتي كانت قد توقفت منذ قرابة عشرة أعوام. ودور بكين فيها، ليس من فراغ، إذ كانت ولا تزال حتى الآن، داعمة لقيام دولة فلسطينية مستقلة وإقامة سلام “فلسطيني- إسرائيلي” على مبدأ حل الدولتين.
أولاً- المصالحة الفلسطينية بدأت من الصين والمؤشرات الأوّلية إيجابية
تُشير المخرجات الأوّلية التي نُقلت عن اللقاء الذي جرى بين ممثلي القوى الفلسطينية في بكين، إلى بدء فعلي للتسوية السياسية بين حركتي (فتح) و(حماس)، وبالتالي هناك توحيد بات قاب قوسين بين القوى الفلسطينية المتعارضة منذ أكثر من 17 عاماً، ضمن غطاء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهذا ربما سيكون بداية للعودة إلى مفاوضات سلام “فلسطينية- إسرائيلية” جديدة، وربما تكون أكثر جدّية.
وكانت وزارة الخارجية الصينية قد أعلنت، يوم أمس عن إجراء ممثلي حركتي “حماس” و”فتح” محادثات في بكين بهدف المصالحة بينهما. حيث صرّح المتحدث باسم الوزارة لين جيان، للصحافيين: “بناء على دعوة من الصين، قام ممثلو حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بزيارة بكين مؤخراً لإجراء مناقشات متعمقة وصريحة للدفع باتجاه المصالحة الفلسطينية”. مؤكداً أنهما أكّدا أن لديهما كامل الإرادة السياسية لتحقيق المصالحة من خلال الحوار والتشاور، بعد مناقشة العديد من القضايا المحددة والتي أحرزا فيها تقدماً، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط”.
يؤكّد تصريح جيان، أنّ مسار المصالحة الفلسطينية يسير وفق ما هو منشود له، وبالتالي هناك مسائل أولية (مخرجات) تم الاتفاق عليها مبدئياً، ستكون جدول أعمال للقاء القادم بينهما في 14 حزيران المقبل، في بكين، وذلك بحسب ما أوردته صحيفة “العرب” اللندنية عن مصادر مطلعة. وتمثّلت المخرجات الأولية، المشار إليها، بحسب الصحيفة، بما يلي:
- التأكيد على ضرورة الوحدة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
- التشديد على انضمام كافة القوى والفصائل الفلسطينية إلى منظمة التحرير ومؤسساتها اعتماداً على الاتفاقيات السابقة، وإحياء اللجان المشتركة بينهما.
- ضرورة تشكيل حكومة توافق وطني غير فصائلية مؤقتة أثناء حرب الإبادة أو بعدها، من مهامها القيام بواجباتها الفنية والإدارية في الإغاثة وإزالة آثار العدوان وإعادة إعمار غزة. وتوحيد المؤسسات الفلسطينية والتحضير لإجراءات الانتخابات العامة.
- الترتيب مع الجهات المعنية في غزة لتشكيل لجنة ثنائية مشتركة في القاهرة للتنسيق والمتابعة.
- معالجة أي إشكاليات بين الطرفين، ووقف التراشق الإعلامي المتبادل بينهما.
جرت خلال السنوات الماضية، عدّة لقاءات بين ممثلي القوى الفلسطينية لتوحيد الصف الفلسطيني، وكان آخرها في شباط الماضي في العاصمة الروسية موسكو، حيث اتفقت الأطراف الفلسطينية على “استمرار جولات حوارية قادمة للوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
وسبق ذلك لقاء آخر في مدينة العلمين المصرية في 30 تموز 2023، وثالث سبقه في الجزائر في تشرين الأول 2022، دون أن تُسفر تلك اللقاءات عن خطوات عملية جادّة تحقق هدفها.
ثانياً- أهمّية الدور الصيني في المصالحة وأفق نجاحها
يكتسب اللقاء بين القوى الفلسطينية في بكين، أهمية كبيرة في مسار المصالحة، خاصة وأن الصين دولة لها ثقل كبير على المستوى العالمي، وهذا الدور يزداد تأثيراً يوماً بعد يوم على المستوى الدولي على مختلف الأصعدة وخاصة السياسية والاقتصادية. وسجلت على مر السنوات الماضية، مواقف تاريخية تجاه القضية الفلسطينية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو على مستوى مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها، وكان آخرها مطالبة بكين بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ الدراسات الدولية في جامعة صون يات سين الصينية، الدكتور شاهر الشاهر في حديث لـ “أثر برس”، أنّ المحادثات برعاية الصين هي مختلفة تماماً عما جرى سابقاً، وأنّ دور بكين يكتسب أهمية خاصة، لأنها تقف على بعد واحد من الأطراف المتصالحة، إضافة إلى حجمها على المستوى الدولي، وعلاقتها بالأطراف الإقليمية المؤثرة على الأطراف الفلسطينية”.
وحول مستقبل اللقاء بين القوى الفلسطينية، يرى الشاهر أنّ إعلان الخارجية الصينية عن تقدماً مشجعاً في المحادثات التي جرت بين حماس وفتح، هو مؤشر هام ويشير إلى وجود خطوة أولية جادة لإنجاز المصالحة”. وبالتالي سيقود ذلك لاحقاً إلى مفاوضات السلام “الفلسطينية- الإسرائيلية”، التي كانت الصين قد أعلنت عن تبينها قبل معركة “طوفان الأقصى”.
وأكد أنّ الصين على يقين أنه “لا يمكن أن تصل مفاوضات السلام إلى نتائج ملموسة إذا لم يكن هناك اتحاد في الصف الفلسطيني أولاً”. والصين، برأيه، هي راعي مهم لمحادثات السلام التي قد تُستأنف مستقبلاً وتقف وراء ذلك عدّة أسباب بحسب ما ذكره الشاهر وهي:
- انحياز الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل كبير لـ “إسرائيل”، منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، وبالتالي فلم يعد ممكناً لها لعب دور الوساطة.
- روسيا أيضاً غير مرغوبة من الأطراف الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
- وجود مساعي دبلوماسية صينية سابقة ناجحة وأبرزها دورها في المفاوضات السعودية- الإيرانية، وإعادة العلاقات الثنائية بين البلدين.
- قدرة الصين في التأثير على إيران والسعودية ودول إقليمية أخرى فاعلة في القضية الفلسطينية.
وحول موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الدور الصيني، وانعكاساته على مصالحها في المنطقة، قال الشاهر: “بتصوري فإن الصين أقدمت على المصالحة باتفاق أمريكي، وحتى الأمريكي يريد اليوم تهدئة في المنطقة حالياً خاصة وأن الأخير مقبل على انتخابات”.
ويجدد الشاهر التأكيد على أنّ آلية تفكير الصينيين تجاه رعاية عملية السلام “الفلسطينية- الإسرائيلية” ليست مجرد تسوية سياسية نظرية وإنما هي عملية هندسية صينية دقيقة ومدروسة بشكل علمي بحت، بمعنى أنها تستند إلى رؤى وخرائط تراعي الواقع وتجنب الاحتكاكات بين الطرفين.
ثالثاً- ما انعكاسات ما سيجري على الملف السوري؟
ارتفعت حدّة الحرب الغربية على سوريا خلال السنوات الماضية، نتيجة لاعتبارات عديدة، أبرزها أنّ سوريا تمثل ركيزة لمحور المقاومة، وتبنيها للقضية الفلسطينية، وأخرى تتعلق بطبيعة الموقع الجيوسياسي للبلاد. وفي عام 2011، شُنت حرب كبيرة في البلاد نتج عنها دمار، واحتلال أمريكا وتركيا لعدد من المناطق، أدى إلى خسائر اقتصادية، وتهجير أكبر للبنى الاجتماعية.
إضافة إلى ما سبق؛ لم تكتف الدول الغربية وحلفائها بما جرى. بل خطت تجاه أكبر من ذلك، حيث شكلت مخططاتها، محاولة لإفراغ الموقع الجغرافي السوري من أهميته الجيوسياسية إقليمياً، عبر إفشال جميع المشاريع التي كانت سوريا جزءاً منها، ومن ثم إعادة نسج مشاريع أخرى تبقى مُستثناة منها ما سيفرض عليها البحث عن اصطفافات تخدم مصالحها وتحافظ على دورها في المنطقة. خاصة وأنّ التوتر الأخير بين إيران و”إسرائيل”، أدى إلى إحداث توازنات جديدة في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بطبيعة مواقف الدول الخليجية منه وتأثيرات ذلك على علاقة هذه الأخيرة مع “إسرائيل”. وهنا يرى الشاهر، أنّ الرد الإيراني فعلياً، غيّر توازنات القوى في المنطقة، وجعل دول الخليج تعيد حساباتها بشكل دقيق وجيد، بمعنى لا يمكن تجاهل دور إيران أو التفكير بمواجهتها”.
ويرى الشاهر أنّ التوازنات الجديدة هناك ما يرتبط منها بالمشهد السوري بكل تأكيد، وخاصة عملية السلام التي ترعاها الصين وتسعى المملكة العربية السعودية لإنجاحها، عبر إعلانها الموافقة على التطبيع مع “إسرائيل” مقابل اعتراف الأخيرة بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وبالتالي لا يمكن تجاهل أهمية سوريا، انطلاقاً من فكرة أنه “لا سلام بدون سوريا”.
تطور العلاقات السورية- السعودية أدت إلى تغير في مواقف دول أخرى تجاه دمشق، وهو ما يفسر ربما رفض الرئيس بايدن التوقيع على مشروع “مناهضة التطبيع مع سوريا”. كما يربط الشاهر زيارة وزير الخارجية البحريني إلى دمشق، ولقائه بالرئيس بشار الأسد بهذه المسألة، خاصة وأن المنامة لم تدين الاعتداء الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق وبقت حينها المسألة محط خلاف لأنها تخص سوريا وإيران معاً. وبعد ذلك، جاءت الزيارة، ربما بحسب الشاهر، لإيضاح ما كان غامضاً، حيث يرى أنّ الزيارة يُستشف منها تغيراً في المواقف الخليجية بالعموم، وربما سيتبعه تغيرات أخرى إن حصلت؛ فهي تؤكّد سير دمشق خطوة للأمام في مسار الحل الإقليمي الذي تقوده الصين مع الفلسطينيين حالياً.
وكمؤشر على تطور العلاقات بين دمشق والمنامة، يدعو الشاهر إلى انتظار الإعلان عن عودة خطوط الطيران بين البلدين على سبيل المثال، فهي إن حدثت فستعد مؤشراً على التطور في تلك العلاقات. خاصة وأن البحرين أعادت خطوطها الجوية مع العراق مؤخراً.
ويقول الشاهر: “السعودية تسير باتجاه ترغيب “إسرائيل” بحل الدولتين، وهو مخرج لنتنياهو وحكومته”. بمعنى أن حل الدولتين مقابل إقامة علاقات مع المملكة العربية السعودية، لما للمملكة من أهمية رمزية بالنسبة لـ “إسرائيل”، سواء من الناحية الاقتصادية، أو كونها عاصمة الإسلام بالنسبة لدول العالم.
وبالتالي، يعتقد الشاهر، أنّ ما يجري ربما يندرج ضمن تنسيق مشترك، للوصول إلى مفاوضات سلام، و”الصمت السوري” في حرب غزة، ربما هو مؤشر على هذا الموضوع، دون أن نغفل طبعاً دور سوريا التاريخي باعتبارها جزءاً من محور المقاومة.
ويعيد الشاهر التأكيد على أنّ ما يجري هو مدخل لعملية سلام “فلسطينية- إسرائيلية” برعاية الصين، وهي كانت مطروحة من قبل، ولكن بالأخير لا يوجد سلام إلا بسلام شامل في المنطقة، وإن حصل سلام بين الفلسطينيين و”إسرائيل” وحتى إقامة علاقات للأخيرة مع العربية السعودية، فهذا سيحتم على الجميع أن تكون سوريا حاضرة وموافقة. وهذا التقارب هو ما سيجمع السعودية وسوريا بشكل أكبر خاصة بعد التضييق على المملكة عبر توقيع الاتفاق “القطري- الإماراتي- العراقي- التركي” حول مشروع “طريق التنمية”.
ويضيف الشاهر، “بالرغم من أن مستوى العلاقات السورية- الإماراتية جيد، إلا أنّ استثناء دمشق من الاتفاق على المشروع الذي ترعاه واشنطن، جعل الرياض هي الأكثر قرباً منها في المرحلة المقبلة، خاصة وأنّ الأخيرة هي أيضاً محيّده عنه”.
ناهيك عن الخلافات التي تجمع البلدين مع تركيا رأس المشروع من الشمال، والراعي الأكبر لمشروع الاخوان المسلمين في المنطقة.
وكانت قد أبرمت كل من الإمارات وتركيا والعراق وقطر، يوم الاثنين 22 نيسان الفائت، مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع “طريق التنمية”، خلال اجتماع في العاصمة العراقية، بغداد. وذلك برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني.
ومشروع طريق التنمية، تم إطلاقه فعلياً بتاريخ 28 أيار 2023 في بغداد، وبحضور ممثلي دول عدة من بينها سوريا والتي مثلها وفد ترأسه وزير النقل السوري زهير خزيم. ويهدف إلى الربط السككي والبري بين ميناء “الفاو” في البصرة جنوبي العراق حتى ميناء “مرسين” التركي على المتوسط. ويبلغ طوله 2200 كيلومتر، القسم الأول منه بطول 1200 كم داخل العراق. والغاية الرئيسة للمشروع ربط تجارة شرق العالم بغربه، وتخفيض زمن الرحلة البحرية من 33 إلى 15 يوماً. وبالتالي تشجيع الممر الهندي على حساب مشروع الحزام والطريق الصيني، وتجاوز مضيق هرمز الذي لإيران شبه سيطرة عليه، ومحاربة مصر بإبعاد طرق التجارة عن قناة السويس، وهو ما سيترتب عليه خرائط جديدة ومشاريع جيو سياسية ستشهدها المنطقة مستقبلاً.
قصي المحمد