أثر برس

الخميس - 25 أبريل - 2024

Search

جريمة حرب وشيكة الحدوث.. سجن الصناعة: صورة أكبر من واقعها

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس تبدي “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” عجزاً في قدرتها على استعادة السيطرة على “سجن الثانوية الصناعية”، مع ضخ معلوماتي عن تواصل استقدام التعزيزات وتصويرها مع إسناد بري من قبل القوات الأمريكية، التي استقدمت بدورها عربات مصفحة ودبابات لمحيط السجن دون اتخاذ موقف قتالي يبدي جدية في محاولة اقتحام السجن والمباني المحيطة به، والتي انسحبت منها “قسد” دون مبرر ميداني، هجوم التنظيم كان على السجن أولاً، وبهدف خلق ثغرة لتسهيل عملية هروب جماعي لمجموعة من عناصره، غير أن الحدث تطور بشكل مفاجئ ليصبح معركة تُستثمر سياسياً من قبل “قسد” ليُصدق العالم أن خطر التنظيم لم ينتهِ، وبالتالي فإن “قسد” تحتاج المزيد من الدعم الذي على رأس قائمته بقاء القوات الأمريكية شمال شرق سوريا، مع التمهيد لجريمة حرب قد تُرتكب في سجن الصناعة بحجة قتال “داعش”.

في المعركة:
لا تزيد المساحة التي يسيطر عليها التنظيم عن 7 – 10 كم من المباني، تحاصرها “قسد” من كامل الجهات، وبالتالي فإن مجموعات “داعش” لا تمتلك القدرة على الفرار من السجن أو نقل إمدادات من خارجه، كما أن كميات الذخيرة التي تركها حراس السجن قبل انسحابهم لن تكفي التنظيم لمعركة طويلة الأمد، وعليه فإن لدى “قسد” الفرصة الأكبر في إنهاء الأزمة الأمنية بدون الحاجة لـ “عنف نوعي”.

التنظيم نشر عبر معرفاته على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل فيديو يظهر فيه عناصره المتحصنين في سجن الصناعة “بيعة موت” في إشارة لاستمرار المعركة حتى النهاية، في وقت لا تنفذ “قسد” أي عملية اقتحام جدية للسجن مع الإشارة إلى أن تعداد المسلحين من عناصر التنظيم داخل السجن لا يمكن أن يزيد عن 200 – 300 عنصر بعد أن تم تسليح بعض المساجين، كما إن التنظيم يفتقد للسلاح الذي يمكن أن يشكل عاملاً في تأخير الهجوم كالمدافع والرشاشات الثقيلة، وعليه لا يبدو منطقياً أن تطول المعركة لكل هذا الوقت.

الاستثمار سياسياً:
توجيه الاتهامات لـ تركيا والحكومة السورية في الهجوم وتفاعلاته كانت السمة العامة لتصريحات قيادي “قسد”، إذ لم تتأخر “قسد” بزعم أن عناصر التنظيم الذين شنّوا الهجوم تم تدريبهم في مدينة “رأس العين” التي تحتلها القوات التركية شمال الحسكة، ومن ثم تم نقلهم إلى محيط السجن ليبدؤوا هجومهم، كما تم توجيه اتهام للحكومة في دمشق بالوقوف وراء تأجيج الوضع إعلامياً وتهويل ما يجري، علماً أن “قسد” نفسها من تهول الخطر لدرجة فرضت فيه حظراً كلياً على الحسكة وعزلتها بقطع الطرق الواصلة إليها، ومن ثم منعت التنقل بين مدن المحافظة ومناطقها بحجة التخوف من نقل التنظيم لتعزيزات قتالية.

“قسد” لم توفر الفرصة لتقول عبر مسؤوليها بأنها أبدت أكثر من مرة عجزها عن تحمل مسؤولية المعتقلين من عناصر “داعش” لوحدها، وطالبت الدول باستعادة مواطنيها من السجون والمخيمات، مع الإشارة هنا إلى أن هذا المبرر غير دقيق، فنسبة الأجانب لا تزيد عن 25% من مجموع عناصر “داعش” والمرتبطين به، في حين أن البقية هم من السوريين والعراقيين، ولا يبدو أن هذا التبرير منطقي.

الاستثمار الأخطر كان من خلال وسم المتحدرين من دير الزور بموالاة التنظيم والانتماء إليه فعمدت “قسد”، لشن حملات مداهمة واعتقال طالت منازل من يقطن في الحسكة من أهالي دير الزور واعتقال عدد منهم، وهذا سيقضي إلى تشكل رغبة لدى النازحين بالعودة إلى مناطق لم يزل التنظيم ينشط فيها بحسب بيان “قسد” نفسها في أوقات سابقة، ولا يفصل هذا الإجراء عما بدأته “قسد” قبل أسبوعين بفرض “بطاقة وافد”، على كل من يتحدر من دير الزور ويسكن في الحسكة بما في ذلك العوائل القاطنة في المدينة منذ أربعينات القرن الماضي، وذلك بهدف رفع نسبة الكرد بخفض نسبة العرب من سكان المدينة المستهدفة بتغيير ديموغرافي يضمن للفصائل الكردية التحكم بها.

جريمة قد تقع:
منطقياً فإن التفاوض لن يكون مقبولاً من عناصر “داعش”، إذ لا يملكون ما يمكن طرحه، ولو طلبوا خروجاً آمناً وقبلت “قسد” به، فإلى أين سيكون ومن سيضمنه؟، أما خيار الاستسلام الآمن فهو مرفوض جملة وتفصيلاً من عناصر التنظيم لكون “قسد” كانت قد أعدمت ما يقارب 35 سجيناً حاولوا الاستسلام بالخروج شبه عراة من السجن وبدون سلاح، إلا أن الرصاص كان في استقبالهم، ولا يعد خيار الانسحاب متاحاً بطبيعة أن “قسد” تحاصر السجن وما يسيطر عليه “داعش” من الطرف الجنوبي من المدينة، وهذا خيار لن يحدث إلا إذا فتحت “قسد” بشكل متعمد ثغرة في حصارها لينسحب من يتحصن في السجن، لكن السؤال (إلى أين؟)، يبرز هنا أيضاً، فلا مكان آمن قريب.
الطرح الوحيد المقبول بالنسبة لـ “داعش” هو أن يتم نقل من يتواجد في السجن نحو مناطق البادية، وتحديداً نحو محيط التنف، وفي هذه الحال سيكون الأمريكيون ملزمين بفضح علاقتهم بخلايا التنظيم التي تهاجم الجيش السوري من خلال تأمين نقل جوي لعناصر داعش من سجن الصناعة إلى التنف، فدمشق لن تفتح الطرقات أمام مثل هذا

الاتفاق، ولن يكون مقبولاً أن يتم مثل هذا الاتفاق سراً، وتقول “قسد” إنها سيطرت على السجن دون الكشف عن مصير المهاجمين ومن معهم، فالتعداد الكبير المتواجد في السجن لا يمكن أن يتبخر فجأة.

السيناريو الأخير المحتمل هو “الإبادة الجماعية” لكل من في السجن بهدمه من خلال كثافة القصف الجوي والبري على السجن، وهذا ما مهدت “قسد” له من خلال بيانها الذي حملت فيه “داعش” المسؤولية عن سلامة 700 طفل ممن يسمون “أشبال الخلافة”، كانت تعتقلهم في سجن الصناعة قبل بدء أزمته، ولا يمكن الزعم بأن كل من في السجن مسلحين لعدم وجود سلاح كاف في السجن قبل اقتحامه من قبل داعش، وعدم إمكانية نقل المزيد من العتاد بعد فرض الحصار على السجن، وأن هدم السجن إن وقع سيكون جريمة حرب موصوفة وأمام كاميرات وسائل الإعلام، لكن هل سيحاسب العالم واشنطن وقسد على مثل هذه الجريمة، أم سيقدم لها الشكر باعتبار أنها خلصت الدول المعنية من مشقة استعادة مواطنيها من عناصر التنظيم.

يبقى السؤال “من أين بدء الهجوم؟”، معلقاً في احتمالات البحث عن المستفيد الأكبر من الأزمة، فكيف يمكن لسيارتين مفخختين وحوالي 200 عنصر مسلح مع سياراتهم وفقاً لاعتراف “قسد” نفسها، أن يجتازوا الحواجز العسكرية والأمنية التابعة للفصائل الكردية ليصلوا إلى الطرف الجنوبي للحسكة، ويشنون هجوماً على واحد من أخطر سجون العالم ويقتحموه دون أي رد فعل حقيقي من حراسه أو النقاط المحيطة به؟

محمود عبد اللطيف

اقرأ أيضاً