خاص|| أثر برس نشطت حركة بيع وشراء النحاسيات والتحف الشرقية في دمشق إثر تنشط حركة السياحة فيها، بعد ركود ضرب سوقها لسنوات خلال فترة الحرب.
وللوقوف على واقع مهنة النحاسة في سوريا، التقى “أثر برس” عدد من تجار وأصحاب ورش النحاس في دمشق، حيث أكد حسام صالح صاحب محل لبيع التحف النحاسية، أن عائلته تعمل بالنحاسيات منذ أكثر من 50 عاماً وقد شهدت تجارتها إقبالاً جيداً فيما مضى بين السياح العرب والأجانب، بينما يقتصر الأمر على السياح العرب وخاصة الأردنيين والعراقيين ودول الخليج حالياً.
ويضيف صالح بحديثه مع “أثر” أن الطابع الشرقي واللمسة اليدوية للحرفي السوري ليست متوفرة في بلدان كثيرة وأن قيمة التحفة النحاسية تحددها طبيعة النقش والوقت اللازم لإنجازها إذ إن بعضها قد يستغرق أكثر من شهر لإنجازه من قبل الحرفي، وأن بعض التحف المطعمة بالفضة قد يصل سعرها إلى أكثر من 1.5 مليون ليرة سورية، مشيراً إلى أن النحاسيات رائجة بشكل كبير بين أصحاب الفنادق والمطاعم ممن يرغبون بإضفاء طابع شرقي مميز على محلاتهم، وأيضاً بين بعض السوريين ميسوري الحال حيث يتبادلونها كهدايا وتذكارات، مؤكداً أن تجارة التحف النحاسية تشهد إقبالاً ملحوظاً حالياً مع بدء توافد السياح إلى سوريا.
بدوره، أكد بشار محمد خير رباح صاحب ورشة نحاسيات، أن بعض التفاصيل الجميلة المتوارثة كشيخ الكار غير موجودة حالياً، مبدياً إصراره على التمسك بالحرفة التي ورثها عن والده باعتبار أن النحاس خليفة الذهب، فبرأيه “كما تتباهى النساء بحليها ومجوهراتها، يتباهى أصحاب المنازل الفخمة بمقتنياتهم من التحف النحاسية وأن كثير من الناس يقدر قيمة مثل هذه التحف”، مشيراً إلى أن مشروع الأركيلة النحاسية لاقى إقبالاً جيداً بين السياح العرب حيث يتم تصنيعها بالكامل من النحاس وتحتوي ضمن قاعدتها النحاسية على حجرات أو فتحات زجاجية صغيرة يتم التحكم بألوانها عبر أجهزة الهاتف المحمول.
حرفة لا ترتبط بالزمن:
اعتبر أمين سر هيئة مدربي حاضنة دمر المركزية للفنون الحرفية وشيخ الكار بالفنون النحاسية والتشكيلة عدنان تنبكجي بحديثه مع “أثر”، أن حرفة النحاسيات لا ترتبط بالزمن، منوّها إلى أن النحاس يسمى بالمعدن الحنون لأنه مرن ويسهل التعامل معه وتشكيله من قبل الحرفي وأن استخدام الإنسان للنحاس لم يقتصر على الأواني المنزلية والتحف، وإنما تم توظيفه في العديد من المجالات الصناعية لما له من خصائص قل أن توجد في معدن آخر، فقابليته للطرق والتوصيل جعل منه عنصراً مهماً لا يمكن الاستغناء عنه في الصناعات الإلكترونية والكهربائية الدقيقة سيما وأن المواد الأولية متوفرة بشكل كبير، مشيراً إلى أن هناك العديد من مجالات العمل تتعلق بالتحف والمشغولات النحاسية اليدوية كالطرق والضغط والحفر والتكفيت والتفريغ وأن الدمشقيين أبدعوا في الحفاظ على إرثهم الحضاري فيما يخص النحاس وهم من الرواد على مستوى العالم في هذا الشأن، لذا يمكن القول إن حرفة النحاسة حالياً بوضع جيد ومقبول.
وبحسب تنبكجي، فإن كفاءة الحرفي السوري عالية إذ يستطيع دمج أكثر من حرفة مع بعضها البعض في تحفة فنية إبداعية جديدة، مشيراً إلى أنه يتم العمل على تطوير الألوان النحاسية وذلك عبر تلبيس النحاس بمحلول معدني ذهبي أو فضي أو بلاتينيوم أو بلون البرونز.
كما يتم العمل أيضاً على موضوع الشطرنج السوري المصنوع بالكامل من النحاس وهو عبارة عن طاولة سداسية أبعادها 80 سم مع ثلاث كراسي نحاسية مذهبة على عدد اللاعبين تتخللها زخارف نباتية إسلامية قديمة تعود إلى أكثر من 400 عام مستوحاة من البيوت الدمشقية القديمة، كما تم توظيف الرموز العربية فيه حيث أن أحجاره ترمز إلى بعض الشخصيات التاريخية الهامة كصلاح الدين الأيوبي وزنوبيا والجندي إبراهيم العطار إضافة إلى الحصان العربي الأصيل والفيل السوري المنقرض وقلعة دمشق.
يذكر أن النحاس اشتهر منذ التاريخ القديم في عددٍ من مناطق العالم وكان أوّل فلزّ تمكّن الإنسان من صهره وسكّه في قوالب في الفترة التاريخية بين 5000 إلى 4000 سنة قبل الميلاد، وتُعرَف تلك الحقبة التاريخية باسم العصر النحاسي وأدّى سبك النحاس مع القصدير إلى الحصول على سبيكة البرونز قرابة 3500 سنة قبل الميلاد وكانت تلك أيضاً مرحلة محدّدة في التاريخ البشري، والتي يشار إليها باسم العصر البرونزي.
لؤي ملحم – دمشق