أثر برس

الأربعاء - 1 مايو - 2024

Search

في الحرب كما في الحب، لكي ينتهي الأمر لابد من مواجهة مباشرة

by Athr Press N

خاص|| منى علي حمادي

هذه الكلمة التي لا تتعدى الثلاثة أحرف (الحرب) تُبدّل الكثير من ملامح البلد التي تندلع فيها، فيدخل ما كان مُستهجَناً في السابق ضمن إطار “ما تخلقه الظروف”، وتظهر معالم تتناسب مع الحياة الجديدة التي تنبلج من ظلام الحرب، حيث تؤكد دوماً أنها تؤسس لحياة جديدة للأفراد الذين لم تقضي عليهم.

في سوريا، يهرب المئات من المواطنين خشية أن تبتلعهم الحرب ضمن الظروف التي فُرضت على البلد ليذهبوا للعيش في مجتمعات جديدة تتغير عليهم كلياً حتى في أبسط الأشياء التي تركوها ورائهم رغماً عنهم، وذلك للقدرة على التأقلم والاستمرار رغم كل الظروف.

وسط هذا الزِحام نشأت طرق جديدة للزواج في سوريا، منهم من رفضها واستهجنها لعدم توافقها مع الذي تعودوا عليه بينما يوافق عليها بعضهم الآخر معتقدين أنها مايناسب ظروف البلاد والعباد.

عادات تتغير بحسب ظروف كل عائلة، فخروج الأعداد الكبيرة من الشباب لبلاد المهجر صنع خللاً كبيراً في المجتمع بين أعداد الشباب والشابات، مما جعل العرسان في سوريا عملة نادرة، وأصبحت الكثير من الأسر السورية تتخلى عن المتطلبات الكثيرة التي كانت تشترطها على الشاب قبل موافقتها لـ تزويج ابنتها، وباتت ترضى بالمهر القليل وأحياناً تتنازل عنه نهائياً، فـ مقارنةً بمعاناة الشاب الراغب بالزواج ماقبل الحرب كانت مشكلة غلاء المهر معضلة كبيرة أمامه فهو اختلاف جذري بين ماقبل الحرب وبعدها.

في الحرب، لا يقتصر دور مواقع التواصل الاجتماعي على تقريب البعيد وتحقيق التواصل الافتراضي الذي تعطله المسافات، بل يتعداه إلى مهام أخرى برزت في السنوات الماضية بشكل كبير في سوريا، إذ ظهرت عادة جديدة للزواج عبر مواقع التواصل يسهل رؤية الطرفين وذويهم.

في سوريا أصبح “الزواج من غير عريس” الزواج الطبيعي، طبعاً مع تواجد السؤال المطروح والمعتاد سماعه (العرس في عريس؟)، فالمضحك مبكي صراحةً، وفي حال معرفة تواجد العريس يرافقها على الفور جملة (والله منيح، كيف مزبط وضعو؟؟).

خمس سنوات مضت، لحظة سمعت زواج صديقة لي من شاب لاتعرفه أبداً موجود في ألمانيا لايستطيع التواجد ببلده ليتزوج وفق التقاليد التي تعودنا عليها، وقد تمت إجراءات الزواج الرسمية كلها عن طريق برنامج  “السكايب”، كانت ردة فعلي الاستغراب الشديد والأسف لما حصل لنا، ولكن بعد الاستغراب ولم يكن مني فقط إنما من الجميع، أصبحت العادة المتعارف عليها ومن الطبيعي عدم تواجد العريس ليلة زفافه مع عروسه.

صديقة أخرى لي كانت ترفض فكرة الزواج من غير تواجد الشاب الذي ارتبطت به، على أمل أن يكون وضع زواجها طبيعي وتكون فرحتها كما تتمنى، ومازالت منتظرة أن يُفتح لهما باب الفرج حتى بعد مرور 4 سنوات على ارتباطهما،  لكنها بدأت بالتخلي عن الأمل الذي كانت متمسكة به.

نعم هكذا أصبح حال  بلدي، شاب لا يستطيع رؤية من يحب أجبرته الحرب على ترك كل شيء تحت ركام منزله الذي دُمر، فتاة اضطرت للتخلي عن معظم أحلامها حتى تستطيع أن تتعايش مع الواقع الحالي الذي فُرض عليها، وتلك التي ابتعد عنها حبيبها الذي لطالما كان يرسم لها صورة الحياة التي يتمناها، وغيرها المئات من الصور التي ملأت ذاكرتي.

في الحرب كما في الحب، لكي ينتهي الأمر لابد من مواجهة مباشرة.

اقرأ أيضاً