أثر برس

الأحد - 5 مايو - 2024

Search

إدلب تغير قواعد الاشتباك في كافة أراضي الشمال السوري

by Athr Press Z

خاص || أثر برس باتت محافظة إدلب في الفترة الأخيرة محور الحرب في سورية، ليس بسبب كونها آخر معاقل “جبهة النصرة” فقط، بل أيضاً لأن المتغيرات الميدانية الأخيرة أثبتت أنها نقطة تقاطع مصالح الدول الأجنبية الداعمة وعلى رأسها تركيا وأمريكا.

الدولة السورية وقبل إعلانها عن معركة إدلب عملت على التزامها بالاتفاقات التي تمت بين الجانبين الروسي والتركي، لهذا قدمت لتركيا فرصاً عديدة فقبلت باتفاق “خفض التصعيد” الذي مكّن أنقرة من إنشاء نقاط مراقبة تركية في إدلب، وبعده اتفاق “إدلب” إضافة إلى موافقتها على الهدنات التي كانت تطالب بها تركيا كلما احتدمت المعارك بوساطة روسية، لتقوم تركيا خلال فترة هذه الهدنات بإرسال تعزيزات عسكرية لـ”جبهة النصرة” والفصائل المسلحة في منطقة “خفض التصعيد”.

كان واضحاً أن تركيا كانت طوال الفترة الماضية تسعى إلى عرقلة البدء بعملية عسكرية تصل خلالها القوات السورية إلى إدلب، متكلة في تحقيق هذا المطلب على روسيا حليفة الدولة السورية، وكانت موسكو فعلاً تعمل على إقناع دمشق بالموافقة على الطلبات التركية وفي الوقت ذاته تشدد على أن هذه الاتفاقيات مؤقتة وأن الدولة السورية مصرة على استعادة كافة أراضيها وإخراج القوات الأجنبية التي يفتقد وجودها للشرعية، من أرضها.

لكن بعد النقض التركي المتكرر للاتفاقات التي وقعتها أنقرة مع موسكو، وصلت الأمور إلى طريق مسدود، جعل روسيا عاجزة عن إقناع روسيا بتأخير المعركة أو القبول باتفاق جديد خصوصاً بعد موافقة الدولة السورية على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه بحضور تركي مقابل انسحاب “النصرة” من منطقة “خفض التصعيد”، وكونها تأخذ صفة الحليف فقررت تقديم الإسناد الجوي للقوات السورية في هذه المعركة، وهنا كان مؤشر لبدء خسارة تركيا أول أوراقها.

والواقع اليوم هو أن الدولة السورية استطاعت استعادة مساحات واسعة من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي وصولاً إلى خان شيخون التي كانت تعتبر أهم معاقل “النصرة”، ما يدفع تركيا إلى اللجوء للمحادثات مع روسيا لوقف تمدد القوات السورية، لكن تصريحات المسؤولين الروس تؤكد على عدم وجود تفاهم في وجهتي النظر التركية والروسية.

والجدير بالذكر أنه هذه المتغيرات الميدانية لا تضر بالمصالح التركية فحسب، بل أيضاً المصالح الأمريكية باتت أمام تهديدات عديدة، حيث نشرت مسبقاً وسائل إعلام معارضة أن هناك توافقاً أمريكيا-تركياً للحفاظ على وجود “النصرة” في إدلب مشيرة إلى أن الطرفين يتخوفان من البديل عن النصرة” كاشفة عن سعي واشنطن وأنقرة إلى إعادة تشكيل “النصرة” لإعطائها الشرعية ونزع صفة “الإرهاب” عنها، مؤكدة أن انتهاء “النصرة” في إدلب يعني تهديد كبير لأمريكا في سورية، الأمر الذي أكده أيضاً في وقت سابق وزير الخارجة الروسي سيرغي لافروف، حيث قال: “إن واشنطن تريد الحفاظ على جبهة النصرة وتحاول جعلها طرفاً في التسوية، واصفاً هذا المخطط الأمريكي بالقنبلة الموقوتة، وأميركا تريد الاستفادة من وجود النصرة في الشمال السوري ضمن شروط معينة وليس إنهاء التنظيم الإرهابي”.

الواقع الآن يؤكد أن مساحة سيطرة “النصرة” والفصائل المسلحة تقلصت إلى حد كبير، وتركيا حتماً لن تبدّي مستقبل “النصرة” ومسلحي فصائلها عن مصالحها ومكتسباتها، فهم مجرد أداة بيد كل من تركيا وأمريكا قد تنتهي مهمتهم في أي وقت والمتغيرات الميدانية تُنذر باقتراب هذه اللحظة، وهو ما أنذر به مسبقاً السفير الأمريكي السابق لدى دمشق روبرت فورد، عندما قال: “على المعارضة أن لا تنتظر شيئاً من الولايات المتحدة، فلا أحد في واشنطن مستعد للمخاطرة بحرب عالمية ثالثة بسبب سورية” مؤكداً أن بلاده لن تتدخل لوقف العملية العسكرية في إدلب.

واضح أن تركيا وأمريكا خسروا ورقة كانوا يعولون عليها كثيراً في حماية مصالحهم في سورية، فالقوات السورية باستعادتها للمناطق الأخيرة في ريفي حماة وإدلب أزالت الحاجز الذي كان يفصلها عن الشمال والشرق السوري، لكن الواضح من خلال تسلسل الأحداث التي وردت سابقاً أن تركيا كان لها دور كبير بوصول الأمور إلى هذا الحال.

يبدو أن تغير خريطة السيطرة في إدلب يدفع تركيا وأمريكا إلى رسم خطط جديدة والبوابة الوحيدة التي باتت أمامهم هي روسيا، فغداً يصل أردوغان إلى موسكو لمناقشة مستقبل إدلب بعد لقاء جمعه بنظيره الأمريكي، والمسؤولين الروس يؤكدون عدم وجود أي توافق في وجهات النظر الروسية والتركية، فروسيا تؤكد باستمرار لكل من تركيا والكيان الإسرائيلي أن أولوياتها في سورية هي أن تبقى حليفة الدولة السورية أما واشنطن فتركز في هذه المرحلة على إعادة علاقتها مع الأكراد لتحصن جبهتها داخل شرق الفرات في ظل ازدياد حديث قادة “قوات سوريا الديمقراطية” عن رغبتهم بالعودة إلى الدولة السورية.

تركيا لا يوجد أمامها الآن سوى التفاوض مع روسيا ما يعني تقديم تنازلات وحتماً لن تكون الأولوية بالنسبة لها مسلحي “النصرة” والفصائل، ما يعني أن مصيرهم يتجه أكثر نحو المجهول، وهذا ما يبرر انشقاق عدد من مسلحيهم في الفترة الأخيرة.

زهراء سرحان

اقرأ أيضاً