خاص|| أثر برس تقام في المنطقة الشرقية من سوريا ولائم غداء ضخمة بين الحين والآخر، تتوزع مناسباتها بين الصلح العشائري أو الأعراس، أو العقيقة (مأدبة تقام في اليوم السابع بعد ولادة الطفل)، ووجبة هذه الولائم تكون “ثريد اللحم” والتي يتم إعدادها من لحم الخراف التي تذبح يوم الوليمة، وغالباً ما يكون عدد الذبائح يتناسب طرداً مع عدد المدعوين للوليمة أو مع أهمية المناسبة، حيث تقول مصادر أهلية لـ “أثر برس” إن رجلاً رزق بطفله الأول بعد انتظار 15 عاماً من الزواج، أقام مأدبة ذبح فيها 100 رأس من الأغنام قبل عام من الآن في ريف الرقة، كما أن شهر شباط الماضي شهد إقامة رجل من حي خشمان وليمة عقيقة لأبنائه الثلاثة الذين رزق بهم بعد 12 عاماً من محاولات الإنجاب.
يقول أبو فيصل، وهو أحد سكان بلدة محميدة بريف دير الزور الغربي، إن إقامة وليمة اليوم يحتاج لمبالغ طائلة، فمن يريد ذبح 50 رأس من الأغنام، سينفق مبلغاً يتراوح بين 75-150 مليون ليرة سورية، والوليمة تحتاج لمواد أخرى، ما يرفع التكلفة مبلغاً يصل لـ 5 ملايين إضافية، وإذا ما كان الداعي للوليمة قد ذبح 100 رأس فإن التكلفة تصل في أقل تقدير لـ 250 مليون وفقاً لأسعار اليوم وهذا رقم ضخم، ومثل هذه الوليمة يحضرها تقريباً 1500 شخص.
تتوزع المهام في الولائم، فالنساء ينشغلن في إعداد خبز الصاج الأنسب أو الأكثر استخداماW في الولائم، بينما يقوم الرجال بطهي اللحم في قدور تجمع من سكان القرية ليصل تعدادها في بعض المرات لـ 100 قدر، ويتم سكب الطعام في مناسف تجمع أيضاً من منازل القرية، وغالبا ما يكون ثمة علامة أو اسم مكتوب بالحبر على القدر والمنسف لكي لا يقع خطأ حين إعادة الأواني لأصحابها، وفي المناسبات الضخمة مثل هذه يعتبر أفراد عائلة الداعي من أبناء أخوته وعمومته، ومن الجنسين أنفسهم “معزبين”، أي هم أصحاب الدعوة، فيضعون أنفسهم بشكل تلقائي في خدمة الضيوف من مرحلة الذبح وحتى إنهاء آخر أعمال التنظيف بعد مغادرة الضيوف.
يقول علي اليوسف من سكان مدينة الرقة في حديثه لـ “أثر برس”: “هناك من يكون قد نذر ذبح جملاً أو عدة جمال لمناسبة ما، حينها ستصل تكلفة الوليمة لمبالغ هائلة في وقتنا هذا، فسعر الجمل الواحد يصل اليوم لـ 75 مليون ليرة، وإذا ما كان الداعي للوليمة قد قرر ذبح خمسة جمال فإن ذلك يعني مبلغاً يصل لـ 375 مليون ليرة سورية، ومع تكاليف الوليمة الأخرى من خيام قد يصل المبلغ لـ 400 مليون، ويرافق ذبح الجمال غالباً ذبح عدد من رؤوس الأغنام لا يقل عن 10 وقد يصل لـ 20 رأس، وبالتالي تزيد كلفة مثل هذه الوليمة لتصل قرابة نصف مليار ليرة سورية.
وفي مثل هذه الولائم تكون عند الأثرياء ليس من باب الكرم أو إيفاء النذور فقط، فالتباهي أيضاً يكون حاضراً، إذ سيذكر في مجالس المنطقة الشرقية أن فلاناً ذبح 5 جمال في يوم كذا، وهذا مدعاة للفخر بكونه من الكرماء، ولا يقدر عليها إلا عدد قليل من سكان المنطقة الشرقية من ذوي الأملاك وخاصة ممن يمتلكون قطعان كبيرة من المواشي أو مساحات زراعية واسعة، وخلال فترة الحرب لا يقدر عليها إلا المستفيدين من الحرب بشكل أو بآخر، فحتى كبار وجهاء العشائر لم يقيموا مثل هذه الولائم منذ زمن.
آخر الولائم الكبرى في المنطقة الشرقية كانت في أواخر شهر نيسان الماضي، حينها حضر نحو 1500 شخص على أقل تقدير وفقاً لما توفره المصادر المحلية من معلومات، لبلدة الجزرة في ريف دير الزور، وكانت مناسبة الدعوة الموجهة لأبناء قبيلة البكارة هي “توحيد الكلمة ونبذ الخلافات”، وهذا التعداد يحتاج لذبح 75 رأس من الأغنام في أقل تقدير.
يكتفي من يقوم بالذبح بأخذ جلد الذبيحة وبعضاً من اللحم كأجر لعمله، ويتم توزيع الرؤوس والأحشاء التي تحول لاحقاً لطبخات فاخرة على فقراء المنطقة، إضافة لكميات من اللحم للعوائل الفقيرة، من الأيتام والأشد فقراً، وتكون الوليمة حدثا مجتمعياً لكامل سكان القرية، وخلال الأزمة السورية غالباً ما تكون الولائم نهاية خلافات أو اقتتال عشائري، ومن بعدها تنتهي الخلافات.
محمود عبد اللطيف