لم يؤثر الانفتاح السياسي الذي شهدته سوريا مؤخراً، في الواقع المعيشي للسوريين -بصرف النظر عن المكان الذي يُقيمون به- فعند البحث عن كلمة سوريا في محركات البحث في الإنترنت، ترتبط النتائج بتراجع الوضع المعيشي وتوصيات أممية بضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين، أما الإجراءات فتقتصر حتى الآن على إجراء جلسات لمجلس الأمن في الخارج ولمجلس الشعب السوري والحكومة السورية في الداخل.
في الخارج:
أجرى مجلس الأمن أمس الإثنين جلسة ناقشت التطورات الإنسانية والسياسية في سوريا، وأكد المبعوث الأممي غير بيدرسون، فيها إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، لافتاً إلى أنّ 90% من السوريين يعيشون دون خط الفقر وقال: “لنكن صادقين: حتى الآن، لم تُترجم أشهر من الدبلوماسية التي يحتمل أن تكون مهمة إلى نتائج ملموسة للسوريين على الأرض، في الداخل أو في الخارج، أو تحركات حقيقية في العملية السياسية، وأمل أن يفعلوا ذلك قريباً”، محذراً من أنه “إذا لم يحدث ذلك، فستكون فرصة أخرى ضائعة لمساعدة الأزمة السورية في الوصول إلى نهاية تفاوضية، في وقت يتعمق فيه تأثير الأزمة”، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط”.
بدوره، نوّه ممثل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة راميش راجاسينغهام، في الجلسة باستمرار التدهور في الظروف الاجتماعية والاقتصادية في أنحاء سوريا كلها، مشيراً إلى “الانخفاض السريع في قيمة العملة إلى مستوى قياسي جديد منخفض”، موضحاً أن “12 مليون شخص – أكثر من 50 في المئة من السكان – يعانون انعدام الأمن الغذائي، و2.9 مليون آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع”.
كما أثار الأعضاء في الجلسة ملف معابر الشمال السوري، مطالبين بتمديد قرار فتح المعابر، إذ قال ممثل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة راميش راجاسينغهام: “إن المساعدة عبر الحدود مسألة حياة وموت لملايين الأشخاص في شمال غربي سوريا”، معتبراً أن “إخفاق مجلس الأمن في تجديد هذه العمليات هو مخيب للآمال بشدة”، لافتاً إلى أن “4.1 مليون من أصل 4.6 مليون شخص في شمال غربي سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية”.
وأشار في الوقت نفسه، إلى أن “الحكومة السورية ما زالت تسمح بعبور إمدادات الإغاثة إلى شمال غربي سوريا عبر معبري باب السلام والراعي”.
من جهته، أكد مندوب سوريا في مجلس الأمن بسام الصبّاغ، أن “سوريا وانطلاقاً من حرصها على ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها في شمال غربي البلاد، وفي ضوء التعنت الذي أظهرته بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن ورفضها الاستجابة لأوجه قلق سوريا المحقة التي تم التعبير عنها مراراً وتكراراً حيال آلية الوصول عبر الحدود والتي منعت تمديد مفاعيل القرار 2672، اتخذت قراراً سيادياً بمنح الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة إذناً باستخدام معبر باب الهوى لإيصال المساعدات الإنسانية إلى تلك المنطقة، لمدة ستة أشهر، ابتداءً من الـ13 من تموز الجاري”.
ماذا عن الداخل؟
أجرى مجلس الشعب السوري أمس الإثنين جلسة استثنائية حضرتها الحكومة السورية لمناقشة الوضع المعيشي والاقتصادي، وتم في نهاية الجلسة إعلان تشكيل لجنة مشتركة تضم عدداً من أعضاء مجلس الشعب واللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، مهمتها إعداد حزمة متكاملة من المقترحات العملية والفاعلة للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي والمالي والنقدي، وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، وتحسين الأوضاع المعيشية للعاملين في الدولة، على أن تقدم هذه اللجنة مقترحاتها لمناقشتها وإقرارها.
واستعرض رئيس الحكومة السورية حسين عرنوس، في الجلسة أسباب المشاكل الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وخلُص في حديثه إلى أن “لا بد من التوجه نحو خيار عملي وواقعي بخصوص أسعار بعض السلع الرئيسة المدعومة لتحقيق الأهداف، مع الأخذ بعين الاعتبار تأثير أي خيار في قدرة شريحة العاملين في الدولة، وهذا ما يحتاج منا اليوم إلى حوار متأنٍ وعاقل تحت قبة هذا المجلس، ولن أتردد بالقول: إن ما يزيد من صعوبات اتخاذ قرارات إعادة هيكلة الدعم هو الفجوة الواسعة والكبيرة جداً بين مستويات أسعار المواد المدعومة من جهة، وتكاليف هذه المواد من جهة أخرى، ومعطيات الواقع قد تتطلب اتخاذ قرارات وإجراءات الهدف النهائي منها هو مصلحة الدولة والمواطن”.
أرقام أممية عن الوضع المعيشي في سوريا
أكد “برنامج الأغذية العالمي” في آذار الماضي أن نحو 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ما يجعلها من بين الدول الست التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
وأضاف “برنامج الأغذية العالمي” أن متوسط الأجر الشهري في سوريا يغطي حالياً نحو ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، وتظهر أحدث البيانات أن سوء التغذية آخذ في الارتفاع، مع وصول معدلات التقزم بين الأطفال وسوء تغذية الأمهات إلى مستويات غير مسبوقة.
وأكد تقدير نشرته منظمة “اليونيسف” في آذار الفائت، أن 609،900 طفل دون سن الخامسة في سوريا يعاني من حالات التقزم الناجمة عن سوء التغذية المزمن الذي يتسبب في أضرار جسدية وعقلية للأطفال لا رجعة فيها، ما يؤثر في قدرتهم على التعلم وإنتاجيتهم في مرحلة البلوغ، مضيفة أنه ارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بين 6-59 شهراً بنسبة 48% من عام 2021 إلى عام 2022.