أثر برس

حتى لا تُبتلع سوريا من جديد: دروس من الماضي وضمانات المستقبل

by admin Press

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، وخطورة الحرب المندلعة بين “إسرائيل” وإيران، تجد سوريا نفسها مرة أخرى على مفترق طرق خطير، حيث تتزايد الأطماع الإسرائيلية والأمريكية، مستغلتين حالة التغيير السياسي التي أعقبت الإطاحة بنظام الأسد في نهاية عام 2024 لتحقيق أجنداتها الخاصة.

حيث حذر مراقبون من خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه في الجنوب السوري “المُستباح” من قبل ”إسرائيل” تحت ذرائع واهية، خصوصاً بعد أن شهد العالم شن تل أبيب لحرب مباشرة على طهران بشكل مناف للأعراف والتقاليد والقوانين الدولية، الأمر الذي لم ينته عند هذا الحد، بل شمل حتى اعترافاً من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بشرعية هذه الحرب.

ويتخوف المراقبون من مسألة عدم وجود حسيب أو رقيب للخطط الإسرائيلية ولحروبها وعملياتها التي لا تعرف حدوداً أو قوانين، الأمر الذي يطرح مسألة استعادة الجنوب السوري من قبضة ”إسرائيل” قبل فوات الأوان وتأمين معادلة ردع مناسبة للتهديدات الإسرائيلية الحالية والمستقبلية، لاسيما وأن التصريحات الإسرائيلية، التي أطلقها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الداعية إلى جعل جنوب سوريا “منطقة منزوعة السلاح بالكامل”، أثارت موجة من القلق داخل الأوساط السورية الرسمية والشعبية.

فهذه الدعوة، تزامنت مع وجود عسكري متزايد لـ”إسرائيل” في محيط الجولان السوري المحتل إلى يومنا هذا، واعتبرتها دمشق محاولة لتكريس واقع جديد يخدم الأمن الإسرائيلي على حساب السيادة السورية.

في المقابل، تتواصل الضغوط الأمريكية لإعادة تشكيل الخارطة السياسية والعسكرية في سوريا، تحت ذرائع متعددة، من بينها “مكافحة الإرهاب” و”حماية الأقليات”، وهي شعارات لطالما استخدمت لتبرير التدخل العسكري أو فرض الوصاية على القرار السوري المستقل، وهذا ما نراه في ملف “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تتنصل من محاولات ضمها إلى وزارة الدفاع السورية وإعادة توحيد البلاد، بل تطالب بإدارة ذاتية لا مركزية.

هذه التطورات تضع سوريا أمام خطر تفكك سيادتها الوطنية، وتزيد من احتمالات تحولها إلى ساحة صراع مفتوح بين قوى إقليمية ودولية، في ظل غياب مظلة توازن تردع الأطماع وتحفظ وحدة الدولة.

وفي هذا السياق، تبدو أهمية الاستثمار في تعميق العلاقات الاستراتيجية مع كل من تركيا وروسيا المخرج الوحيد من هذا المأزق، فمن جهة تعتزم تركيا تدريب الجيش السوري وبناء قواعد عسكرية تركية في عدد من مناطق البلاد، ومن جهة أخرى تستطيع دمشق الحصول على تسليح عسكري من روسيا، وبقاء قواعدها العسكرية على الساحل السوري، لن يُعتبر “رمزاً” لتحالف استراتيجي فحسب، بل “ضرورة” تفرضها معادلات القوة في الإقليم، إذ إن الوجود الروسي في الساحل السوري وداخل العمق الاستراتيجي للبلاد، يوفّر ثقلاً عسكرياً وسياسياً يحدّ من قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على فرض وقائع جديدة بالقوة.

ويرى مراقبون أن تخلي سوريا عن التحالف مع موسكو في هذه المرحلة سيكون بمثابة فتح الباب أمام سيناريوهات تفتيت جديدة، لن تنحصر آثارها داخل الحدود السورية، بل ستمتد لتشعل الجوار العربي، الذي يعاني أصلاً من تداعيات الأزمات المزمنة في فلسطين ولبنان والعراق.

والحفاظ على السيادة السورية اليوم لم يعد مجرد مسألة تتعلق بالحدود أو الجيش، بل يتصل بشكل مباشر بمستقبل الهوية الوطنية ووحدة الأرض والشعب، وعلى هذا الأساس، فإن الحفاظ على الشراكة العسكرية مع روسيا وتركيا يمثل خط الدفاع الأخير في وجه مخططات السيطرة والهيمنة، خصوصاً وأن البلاد منهكة من حرب طويلة، وقدراتها العسكرية دُمرت بشكل شبه كامل بغارات إسرائيلية مطلع العام.

اللافت أن القاعدة الجوية الروسية في حميميم، والتي تطورت لتكون أحد أهم أصول موسكو العسكرية خارج حدودها، لم تعد مجرد موقع لوجستي أو قاعدة إمداد، بل أصبحت عنصراً أساسياً في معادلة الردع في الشرق الأوسط، وجود هذه القاعدة شكّل مظلة حماية غير مباشرة لسوريا أمام أي تدخلات خارجية، الامر الذي ساهم بتعزيز قدرة نظام الأسد البائد على الصمود طوال السنوات الماضية.

وتجدر الإشارة إلى أن الحفاظ على علاقات متوازنة مع روسيا لا يعني الارتهان الكامل لها، بل يعبّر عن إدراك عميق لأهمية الاستفادة من تحالفات استراتيجية تعزز من قدرة الدولة على الصمود والمناورة، فموسكو ليست فقط حليفاً عسكرياً، بل شريك سياسي في المحافل الدولية، وضامن في ملفات سياسية معقدة، وإحدى الدول التي تحظى بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن وتستطيع منع قرارات أحادية الجانب مجهزة لفرض أجندات في مسألة ما.

“مركز المستقبل للدراسات”

اقرأ أيضاً