خاص|| أثر برس تتصدر الدبلوماسية الإيطالية التقارب مع سوريا خاطفة الأضواء من تركيا حليفتها في الناتو، إذ أعلنت روما وبشكل مفاجئ عبر وزير خارجيتها أنطونيو تاياني تعيين المبعوث الخاص لوزارة الخارجية إلى سوريا سيفانو رافاجنان سفيراً مقيماً في دمشق، خطوة هي الأولى من نوعها منذ بداية الأزمة في سورية، وقفزة ثابتة في ظل القطيعة الأوروبية.
في الحقيقة لا يمكن القول ثمة انقطاع أوروبي كامل مع دمشق، إذ لم يتوقف عمل ست سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي طوال فترة الأزمة، كسفارات رومانيا، وبلغاريا، واليونان، وقبرص، وجمهورية التشيك، والمجر، لكن فيما يخص مجموعة الدول السبع الكبار المتمثلة في الولايات المتحدة، واليابان، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، فينظر على أن ما فعلته إيطاليا كجزء من الدول السبع الكبار، يعد خرقاً واضحاً في سياسة هذه الدول، خاصة إزاء موقفها المتشددة تجاه سوريا.
أسباب سياسية
لا شك أن وثيقة “لا ورقة” التي أرسلها وزراء خارجية إيطاليا، والنمسا، وقبرص، وجمهورية التشيك، واليونان، وكرواتيا، وسلوفينيا، وسلوفاكيا، إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أوضحت عموماً أهداف العودة السياسية والدبلوماسية الإيطالية إلى سوريا، إذ أشارت الوثيقة إلى تعاظم الدور الروسي والإيراني في دعمهم لسوريا باستعادة سيطرتها على معظم أراضيها، ما يفسر قلقاً حقيقياً من تنامي هذا الدور وإنهاء أي وجود أوروبي في المنطقة.
كما تشير الوثيقة بشكل مباشر إلى أنه مع تغيير الكثير من الدول العربية بقيادة السعودية نهجها تجاه دمشق، وإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية وفتح حوار معها، أدى ذلك إلى جمود فعلي في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، يضاف على ذلك أن العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة متعثرة، ولم يتمكن المبعوث الخاص للأمين العام من تحقيق تقدم في عملية جنيف أو اللجنة الدستورية، وهو ما يمكن تفسيره على أن أوروبا باتت هي نفسها تخشى عزلة عن المتغيرات التي تطرأ في منطقة الشرق الأوسط.
أسباب أمنية واقتصادية
يشير الباحث السياسي من إيطاليا د. عدي رمضان في حديث خاص لـ”أثر برس” إلى أن العلاقات السورية – الإيطالية لم تنقطع على مدار سنوات الأزمة مع سوريا، خصوصاً في مجال التنسيق الأمني، إذ سبق زيارات متبادلة لرؤساء أجهزة الاستخبارات ما بين دمشق وروما منذ عام 2016، وجميعها في إطار مكافحة الإرهاب وملفات أمنية بين البلدين، عدا أن إيطاليا كانت وسيطاً حقيقاً للولايات المتحدة الأمريكية في ملفات مثل المخطوفين، كونها لا تنفصل عسكرياً ولا استخباراتياً ولا سياسياً عن القرار الأمريكي، سيما وجود قواعد عسكرية أمريكية خارج منظومة الناتو في إيطاليا وتعامل على أنها أرض عسكرية أمريكية.
وحول أبرز الملفات بين البلدين للتقارب لفت د. رمضان إلى أن ملف اللاجئين أحد أبرز النقاشات على طاولة السياسة الإيطالية مع دمشق، إذ وجدت إيطاليا نفسها خزاناً مستقبلاً للآلاف من المهاجرين غير الشرعيين عبر أراضيها، كونها تمتلك حدوداً بحرية طويلة تسهل عملية الهجرة غير القانونية إليها عبر البحر، سواء من تركيا أم ليبيا وغير ذلك من طرق الهجرة ما يشكل رغبة منها في التنسيق مع دمشق ضمن مسار عودة اللاجئين، منوهاً بأن سوء الأوضاع الاقتصادية في إيطاليا دفعها بالبحث عن أسواق خارجية لها، إذ كانت عمليات التبادل التجارية مع دمشق قبل الأزمة تدر قرابة مليار دولار سنوياً.
منافسة روسيا على الطاقة والغاز
يعتقد الباحث في الشؤون السياسية من بيروت سامر كركي، أنه من الواضح جداً أن الخيار الإيطالي في توسيع دائرة النفوذ في المنطقة يعود لتراجع الثقل السياسي الألماني والفرنسي بالشرق الأوسط، والحيوية السياسية لروما المستمد من موافقة واشنطن الضمنية لها بهذا الدور.
ولفت الباحث كركي في حوار مع “أثر برس” إلى أن إيطاليا تسعى إلى إعادة تموضع اقتصادي لها في سوريا خصوصاً نقاط النفط والغاز على الساحل السوري، وعليه الدخول بمزاحمة ومنافسة الوجود الروسي مستقبلاً، وهذا أشارت إليه ضمناً وثيقة “لا ورقة” المقدمة إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، والتي عبرت بشكل غير مباشرة بأن أوروبا خارج المسرح السوري نتيجة التغلغل الإيراني والروسي.
وفي ختام حديثه نوه الباحث من بيروت بأن إيطاليا تسعى جاهدة إلى أن تكون خلفاً لإسبانيا في قيادة قوات اليونيفيل الموجودة في لبنان، وهذا يعزز وجودها بشكل فعلي ويزيد من مرونتها الدبلوماسية على طول البحر المتوسط لأي صفقة مقبلة.
تشير التقديرات السياسية إلى أن الخطوة الإيطالية قد لا تحمل ثقلاً اقتصادياً لدمشق، لكنها تحمل ثقلاً خاصاً كخطوة تشجيعية في إطار العودة الدبلوماسية والسياسية الأوروبية والدولية إلى سوريا، وهو ما تثبته المتغيرات السياسية للكثير من الدول والتي باتت ترى أن قطيعة سورية يعني الانفصام السياسي عن واقع الشرق الأوسط.
د. أحمد كناني
خاص || أثر برس في ظل الأحاديث المتداولة حول إمكانية التحول إلى ما يسمى بـ “النقل الأخضر” والذي يعني أن تعمل كل آلية دون الاستعانة بالوقود سواء جزئياً أو كلياً، بالإضافة إلى السياسات التي تدعو للاعتماد على الطاقة المتجددة، أكد الباحث والخبير في مجال النقل الأخضر عامر ديب لـ”أثر”، أن هناك وفورات كبيرة يمكن تحقيقها عبر التحول للنقل الأخضر، وهي الوفورات التي سنحققها بالتوازي مع توطين صناعة السيارات وتحرير قطاع صناعة النقل الأخضر.
وتابع ديب: إذا كان هناك 30 ألف سيارة تستهلك 20 ليتراً يومياً، وإذا كانت الليتر بتكلفة 15 ألف ليرة، فإذا حسبنا عدد الليترات بعدد السيارات سيكون هناك 30 ألف سيارة تستهلك 600 ألف ليتر باليوم، قيمة الليتر 15 ألف ليرة ينتج لدينا 90 مليار ليرة سورية يومياً، بينما كل سيارة كهرباء توفر ما يقارب 300 ألف ليرة مصروف وقود، وهذا يؤدي إلى قيمة مضافة في الخزينة، وبالتالي إدارة الوفورات لصالح مجالات أكثر إنتاجية.
وتابع ديب لـ “أثر” أنه لا يمكن القول إن فتح استيراد السيارات الكهربائية خاصة سيؤدي لضغط على القطع الأجنبي، فهذا غير صحيح، لكن إذا تم العمل بطريقة صحيحة ورؤية استراتيجية لفتح الاستيراد بالتوازي مع توطين هذه الصناعة، سيكون لذلك آثاراً إيجابية أكبر بكثير ومن هنا – وفق ديب – يجب توطين صناعة السيارات.
وأضاف أنه لا يمكن الاعتماد على الاستيراد لوحده دون السعي لتوطين صناعة السيارات الكهربائية والنقل الأخضر بكل فئاته، لذا لا بد من العمل على تحقيق هذه المعادلة عبر خطط واستراتيجيات تأخذ طريقها للعمل والتنفيذ، إذ إن حجم سوق السيارات يشكل ما لا يقل عن 35 % من حركة الاقتصاد في سوريا وهي رافعة نمو كبيرة جداً.
فوضى سوق السيارات المستعملة:
فيما أوضح ديب أن هناك تضخم مرتفع خلقه منع الاستيراد لتحقيق الوفر في القطع الأجنبي، وتسبب بفوضى في سوق السيارات المستعملة، ناهيك أيضاً عن قدم السيارات ما يسبب استهلاكاً مضاعفاً للوقود، علاوة على سوء نوعية البنزين المباع والمستهلك في السوق السوداء ما يؤدي للأعطال، وبالتالي استهلاك قطع الغيار وارتفاع فاتورة استيراد قطع الغيار، التي تؤدي لضغط على القطع الأجنبي، مؤكداً على أن يكون استيراد السيارات الكهربائية متوازياً مع دعم توطين صناعتها هي وكل وسائل النقل الأخضر، متسائلاً: “كم سنوفر في حال أن الـ 30 ألف سيارة العاملة على الوقود، أصبح منها 3 آلاف سيارة كهربائية، واستوردنا السيارات الهجينة؟ الوفورات التي سنحققها أكبر بكثير من منع الاستيراد، ودعم استيراد القطع اللازمة لصناعة السيارات الكهربائية أو معدات النقل الأخضر، ولاحظنا كيف أن منع الاستيراد أدى لموجات تضخم عالية في قطاع السيارات، ما أثر سلباً على الاقتصاد وبالتالي على سعر الصرف”.
ويضيف ديب متسائلاً عبر “أثر”: “أيهما أفضل: الاستيراد المدروس لتحرير صناعة ما، أم إيقاف الاستيراد، الذي ينتح عنه آثاراً اقتصادية نقدية سلبية جداً على الاقتصاد الوطني؟
يذكر أنه يتم التجهيز لمشروع باصات تعمل على الكهرباء بالاعتماد على الطاقة المتجددة بحسب ما بيّن المستثمر مصطفى المسط لـ “أثر” مبيناً أن عدد الباصات الكهربائية المعلن عنها يصل إلى 2345 حافلة.
كما سبق وكشف مدير نقل دمشق المهندس ثائر رنجوس لـ”أثر” أن المديرية سجلت لغاية أواخر عام 2023، نحو 57 سيارة كهربائية، و54 سيارة هجينة تعمل وفق الوقود (بنزين) والكهرباء معاً.
لينا شلهوب – دمشق
خاص|| أثر برس الاقتصاد في سوريا اليوم هو “اقتصاد الفاجعة”، إن أمكن ان نستعير من لغة وبلاغة موريس بلانشو، وليس فقط اقتصاد الأزمة أو اقتصاد الحرب. لعل التعبير الأقرب هو اقتصاد “مجرد العيش” وما يدعوه أجامبين “الحياة العارية”، أي البحث عن مجرد البقاء في الحياة، بيولوجياً وحيوياً.
يتعلق الأمر بالشرائح الاجتماعية الأكثر فقراً وعَوَزَاً في الداخل، وفي مخيمات اللجوء والشتات. وأما الشرائح التي لم تتأثر بالكارثة مادياً واقتصادياً، والشرائح التي أَثْرَت منها، وكانت أحد أسبابها، وأحد أسباب استمرارها، فلها حديث آخر. إنما الجميع في أفق الظاهرة السورية: ثمة من يدفع الأثمان، ويفتقر لحد الإخفاق في تأمين متطلبات العيش. وثمة من يحصل على الريوع والمكاسب، ويغتني ويُسرف في كل شيء تقريباً. هذا بكلمة واحدة هو: اقتصاد الفاجعة.
كان الاقتصاد أحد مداخل أو محددات الأزمة. وثمة مقاربات عدة للحدث السوري منذ عام 2011، من باب الاقتصاد والخطط الاقتصادية ومشروعات الإصلاح الاقتصادي. ويمكن اقتراح التركيز على سبعة خطوط أو نقاط رئيسة، قد تساعد في فهم الحدث، من زاوية الاقتصاد والاقتصاد السياسي والاجتماعي والسياسات الحكومية، وليس من زاوية التآمر أو التدخلات الخارجية، إذ ثمة الكثير من المقاربات والخطابات حول ذلك.
الأول:
يركز على أن حدث 2011 وقع في وقت كانت مؤشرات التنمية في سوريا تشهد تصاعداً مهماً. وان الخطط الخمسية كانت بصدد تغيير دور الدولة وديناميات الاقتصاد والتنمية إلى الأفضل، إلى ما سُمي آنذاك “اقتصاد السوق الاجتماعي”. الخطة أو الفكرة الواهمة والثقيلة والتلفيقية والمشوهة التي ما زال كثيرون يدافعون عنها، بصيغتها تلك، على الرغم من أن التطورات كشفتها وأظهرت أبعادها الكارثية وتحيزاتها المعلنة والمضمرة بحق الشرائح الأضعف والأفقر في المجتمع.
ربما كانت الخطابات والخطط الاقتصادية مصاغة جيداً، منهجياً ومعرفياً وحتى بلاغياً، لكن ذلك لا يعني أنها جيدة في الواقع والفعل. والكلام الطيب لا يحيل دوماً إلى مقاصد طيبة. وقد قال العرب قديماً: إن أعذب الشعر أكذبه. وأرجو أني لا أبالغ في ذلك.
وليس في هذا الكلام تصويب على الجانب المعرفي والمنهجي، أو على نيات كثير ممن اشتغل على الخطط، ومنهم أصدقاء وأساتذة مشهود لهم بالكفاءة، إنما على الإخفاق في تأسيس المخطط على معرفة مطابقة -ما أمكن- للواقع، ومعرفة بديناميات الاجتماع السوري الظاهرة السورية في إقليم متأزم ومتفجر على الدوام. ثم أن الأفكار والخطط إياها نجحت –وهذه مسألة خلافية في أي حال- في دفع السياسات العامة للتورط في قضايا على درجة عالية من الحساسية والخطورة.
الثاني:
يركز على وجود اختلالات اقتصادية وتنموية، وحتى بيئية، وخصوصاً بين مدن وأرياف، بين مناطق وأخرى. واختلاف أنماط الاستجابة للوقائع الجديدة، على مستوى الأفراد والجماعات، والمجتمع ككل، وحتى على مستوى المؤسسات العامة والدولة. وذكر المرحوم فؤاد بلاط حادثة ذات دلالة. قال: عندما حدثت فيضانات في مناطق خط الفرات، قررت الحكومة ممثلة بنائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية الذهاب إلى المناطق المتضررة وتوزيع معونات وسلل غذائية. وحدثت خلال ذلك حكاية تُحكى.
قال أحد المتضرريين للمسؤول الحكومي: “لا نريد سللاً غذائية. بل نريد علفاً للماشية. هل تعلم ان هذه النعجة، هي بنظري أهم من هذا الولد؟ إذا مات الولد يمكن لزوجتي أن تنجب ولداً آخر، لكن إذا ماتت النعجة بسبب فقدان العلف، فإننا نموت جميعنا، وإذا تأمن العلف، يتأمن كل شيء”.
ينطوي كلام المتحدث على بداهة اقتصادية وتنموية لم تخطر على بال مسؤولي الخطط الخمسية والتنموية والبرامج الحكومية آنذاك الذين كانوا يفكرون في تقليص الإنفاق وزيادة الإيرادات. والتحول من اقتصاديات الماشية والمزروعات وغيرها إلى اقتصاديات الخدمات والريوع ومنتجات ما بعد الحداثة.
الثالث:
وجود “اختلال” أو “عطب بنيوي” في إدارة السياسات العامة، أو ما يمكن أن ندعوه الاقتصاد السياسي لإعادة الهيكلة وإعادة توزيع وتخصيص الموارد المادية والمعنوية. كان تقليص الإنفاق العام، وتفضيل الاستيراد لسلع من الخارج بدلاً من سلع محلية أعلى تكلفة، شكلاً من أشكال “اللبرلة الاقتصادية”، المفهومة وفق حسابات التجار ورجال المال والأعمال والجباة، وغير المفهومة وفق حسابات رجال الدولة والسياسات العامة التي تنظر للأمور نظرة اقتصاد اجتماعي وسياسي وليس فقط اقتصاد مالي وربحي. وهذا باب فيه كلام كثير.
الرابع:
إعادة التفكير في الأسس الاجتماعية للسياسات العامة وشرعية النظام السياسي والدولة، ولا نعلم إن كان ذلك حدث عفواً أم قصداً.
وكانت الشرعية تعتمد الأرياف والمدن الريفية، والمزارعين والعمال والموظفين…إلخ، الفكرة الجديدة انبنت على عدم وجود دواع اجتماعية أو سوسيولوجية أو طبقية شعبية لبناء الشرعية السياسية، وبالتالي لا حاجة إلى دعم الريف والمدن الريفية والهوامش وأحزمة الفقر في المدن الكبيرة.
وإن عصر العولمة والحداثة الفائقة أو ما بعد الحداثة أخذ يعتمد تشكيلات شبكية قوامها: مؤثرين اجتماعيين من فنانين ورجال مال وأعمال ورجال دين وأعيان…إلخ، وهؤلاء قد لا يحتاجون إلى “ضح الأموال” من الحكومات، ولا يطلبوه اجتماعياً، بل إنهم هم من “يضخون الأموال” في سوق التداول والأعمال والإنتاج الاجتماعي والاقتصادي والرمزي وحتى السياسي. وهكذا لم يعد للحكومة حاجة في جذب الشرائح الاجتماعية الأكبر والأفقر، باعتبار أن جذب الأغنياء والمؤثرين كافٍ! وهذا أيضاً باب يقتضي المزيد من التقصي والتدقيق.
الخامس:
التجاذبات حول هوية الاقتصاد ودور الدولة فيه، والتحول المتزايد والفج إلى الليبرالية في أسوأ طبعاتها وتطبيقاتها. وهذا قد يكون مفيداً في حسابات المالية العامة والموازنات، وحسابات العائد المالي والريعي، ولكنه خطر في حسابات التماسك الاجتماعي والأمن الاجتماعي والاستقرار والثقة بالسياسة العامة والدولة. وثمة مصادر تهديد لم يكن موعى بها على هذا الصعيد. وهو ما كشفت عنه الأزمة منذ العام 2011.
السادس:
وهو الأكثر حساسية وخطورة، وربما الأكثر بعداً عن تقديرات مصادر التهديد للمجتمع والدولة، وهو أن تغير نظرة الدولة للمجتمع سوف يؤدي بشكل طبيعي إلى تغير نظرة المجتمع للدولة وأن انسحاب الدولة من الأدوار والمسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية، سوف يكون له تأثير في وجودها وصورتها ومواقف الناس حيالها. وهنا أيضاً مصدر تهديد لم يكن مُوعَى بها بالتمام، حتى لو صدرت تنبيهات وتحذيرات من هنا وهناك.
السابع:
ثمة تَمَفْصُل حَرِج بين الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية، صحيح أنه ثمة حالات حول العالم نجح فيها “الفصل” بين الاقتصاد والسياسة، وحدثت “إصلاحات اقتصادية” و”تنمية” من دون “إصلاحات سياسية”، لكن ما يصح في مكان قد لا يصح في مكان آخر. وإن انسحاب الدولة من المسؤوليات الاجتماعية التي ألزمت نفسها بها، مقابل أن يمنحها المجتمع تفويضاً واسع الطيف في السياسات الخارجية والأمن والتحالفات وغيرها، سوف يؤدي إلى انسحابات مقابلة وقد تكون غير متناسبة من جهة المجتمع أو شرائح منه. الأمر الذي يفسر -مع عوامل أخرى- كيف أن شرائح اجتماعية واسعة تعاملت خلاف المتوقع منها -من قبل السلطة العامة والدولة- عندما بدأت الأزمة في العام 2011.
وفي الختام، يجب وضع سؤال الاقتصاد السياسي والاجتماعي في قلب القراءات والتقديرات حول الأزمة السورية، ليس من باب تفسير أو تحليل ما حدث في لحظة 2011 فحسب، وإنما تفسير لماذا لم يمكن وضع أو صنع استجابات مناسبة خلال الأزمة وحتى اليوم. وما حدث خلال السنوات الماضية هو “تجاهل” أو “تغافل” عن” الجوانب الاقتصادية والتنموية للأزمة، مقارنة بالحديث عن الجوانب السياسية والتداخلات الإقليمية والدولية التي حدث فيها نوع من “لإغراق” و”السيولة”.
الدكتور عقيل سعيد محفوض
أعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، أمس الجمعة، أن بلاده قررت تعيين سفير في سوريا، وذلك بعد أيام من إرسال ممثلي ثماني دول أوروبية رسالة إلى الاتحاد الأوروبي دعوا فيها إلى تعديل سياسة الاتحاد إزاء سوريا.
ونقلت وكالة “رويترز” عن تاياني، أنه “تم إعلان تعيين المبعوث الخاص حالياً لوزارة الخارجية الإيطالية إلى سوريا ستيفانو رافاجنان سفيراً”.
وقال تاياني: “إن سياسة الاتحاد الأوروبي في سوريا يجب أن تتكيف مع تطور الوضع”، مضيفاً أن “إيطاليا تلقت دعماً من النمسا وكرواتيا واليونان وجمهورية التشيك وسلوفينيا وقبرص وسلوفاكيا”.
وأشار وزير الخارجية الإيطالي، إلى أن هذه الخطوة هي جزء من الرسالة التي أرسلها ممثلو 8 دول من الاتحاد الأوروبي، الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، وفي هذا الصدد أوضح وزير الخارجية الإيطالي أن: “بوريل كلف هيئة العمل الخارجي الأوروبية بدراسة ما يمكن فعله”، مضيفاً أن تعيين سفير جديد “يتماشى مع الرسالة التي أرسلناها إلى بوريل… لتسليط الضوء على سوريا”.
ولفت تقرير نشره موقع قناة “الحرة” الأمريكية، إلى أن تعيين إيطاليا سفيراً لها في سوريا، هي خطوة من شأنها أن تخلق انقاسامات في الاتحاد الأوروبي.
وفي 22 تموز الجاري، أفاد تقرير لوكالة الأنباء الألمانية بأن ممثلي 8 دول من الاتحاد الأوروبي، أرسلوا رسالة إلى بوريل، اقترحوا فيها جملة من الإجراءات من ضمنها تعيين مبعوث خاص إلى سوريا، وذلك وفق ورقة مناقشة قُدّمت في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ووقع على هذه الورقة كل من إيطاليا والنمسا وكرواتيا والتشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا.
وأشارت الرسالة إلى أن السياسة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي لم تجدِ نفعاً، سيما سياسة العقوبات، لافتة إلى أنه “فيما يتعلق بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي في الماضي، لم يكن لها التأثير المطلوب وكان لها تأثير سلبي في عامة السكان أكثر من تأثيرها في صناع القرار”.
وبهذا تكون إيطاليا أول دولة من مجموعة الدول السبع التي تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ عام 2011.
يشار إلى أن روما أوقفت عمل بعثتها الدبلوماسية في سوريا عام 2012، إذ دعت حينها جميع الموظفين من سفارتها بدمشق في 2012، وعلقت النشاط الدبلوماسي في سوريا.
أكد السفير الروسي في سوريا ألكسندر يفيموف، أن ما يتم تداوله في وسائل الإعلام حول مسار التقارب السوري- التركي سابق لأوانه.
وأشار يفيموف، في لقاء أجراه مع صحيفة “الوطن” السورية أن “آلية الحوار الرئيسية حول هذه القضية هي الصيغة الرباعية (روسيا وإيران وسوريا وتركيا)، وفي إطاره، تستمر الجهود الرامية إلى تقريب التوجهات الأساسية بين دمشق وأنقرة”.
وأضاف أنه “أعتقد أن كل ما تنشره وسائل الإعلام سابق لأوانه، لأن إجراء اتصالات مباشرة بين ممثلي الجمهورية العربية السورية والجمهورية التركية بشأن التطبيع يجب أن يسبقه إعداد دقيق، وهو جارٍ على قدم وساق”.
وشدد على أن إعادة العلاقات السورية- التركية كما كانت في الماضي، ستؤثر آثاره الإيجابية في المنطقة بشكل عام وليس فقط على سوريا والعراق، وقال: “لن يجادل أحد بأن استعادة العلاقات السورية- التركية التي كانت تتسم سابقاً بحسن الجوار، لن يكون لها تأثير إيجابي في الحالة في الجمهورية العربية السورية فحسب، بل ستسهم أيضاً في تحسين الوضع في المنطقة عموماً، وفي الوقت نفسه نرى أنه من المُفيد إشراك دول أخرى في هذه العملية من أجل تنشيط الخطوات ذات العلاقة”.
وتعقيباً على الوضع الميداني في سوريا سيما في منطقة التنف التي توجد فيها قوات أمريكية قال يفيموف: “لا يمكن تحقيق الاستقرار والأمن في الجمهورية العربية السورية وما حولها إلا بالاحترام غير المشروط لوحدة سوريا وسيادتها على كامل ترابها واستقلالها وسلامة أراضيها”.
ونوّه السفير الروسي في سوريا، إلى مسار “اللجنة الدستورية” مشيراً إلى أن هذا المسار توقف بعد أن “فقدت سويسرا مكانتها بوصفها منصة محايدة بانضمامها إلى العقوبات المفروضة على روسيا. ولم يكن من الممكن حتى الآن إيجاد مكان بديل”، موضحاً أن “العمل في هذا الاتجاه يجري بشكل حثيث”.
وتابع أنه “تمَّ اقتراح بغداد بوصفها أحد الأماكن لاجتماعات اللجنة الدسـتورية، لكن لم يتم التوصل بعد إلى توافق حول الخيار العراقي” مبيّناً أنه “في هذا الصدد، يتم أيضاً الأخذ بالحسبان العواصم العربية الأخرى بمنزلة منصة جديدة، ونحن من جانبنا سندعم أي خيار يتفق عليه المشاركون في المفاوضات التي ستجري بين السوريين بهذه المِنَصّة”.
يشار إلى أن السفير الروسي ألكسندر يفيموف، يتحدث بمناسبة مرور ثمانين عاماً على تأسيس العلاقات السورية- الروسية، إذ تبادل الرئيسان بشار الأسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، التهاني بهذه المناسبة.