خاص || أثر برس أصبح تأمين الإضاءة من الأساسيات لدى الأهالي وخاصة مع انتشار ألواح الطاقة الشمسية، والتي غزت الأسواق السورية، وبالتالي رافقها إنعاش سوق شراء الشاشات التلفزيونية بحسب ما أكده عدد من أصحاب محال بيع الأدوات الكهربائية في دمشق وريفها لـ “أثر”.
مراسل “أثر” رصد أسعار ألواح الطاقة الشمسية في الأسواق، حيث تراوح سعر لوح الطاقة الشمسية سعة 550 واط بين (1.9 – 2.2) مليون، أما الألواح سعة 185 واط تتراوح أسعارها بين 850 – 950 ألف.
وبالنسبة لشاشات التلفاز، تراوح سعر الشاشة 32 بوصة بين (2.6 – 2.9) مليون، أما شاشات 43 بوصة تراوحت بين (4.4 – 4.6) ملايين للشاشات الوطنية، أما الشاشات الصينية بلغ سعر الواحد منها 32 بوصة 1.8 مليون، والشاشة 43 بوصة 2.8 مليون ل.س.
تهريب الألواح والشاشات:
مصادر أهلية لبنانية، أوضحت لـ “أثر” أن حركة تهريب ألواح الطاقة الشمسية وشاشات التلفاز من لبنان إلى سوريا نشطت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، عبر معابر غير شرعية من خلال قرى ريف حمص الحدودية وجرود القلمون بريف دمشق.
وتابعت: سعر ألواح الطاقة الشمسية (550واط) في لبنان يتراوح بين 65 – 75 دولار، وأجرة نقل اللوح الواحد وربح المستورد يتراوح بين 15 -25 دولار للوح الواحد، ويباع في سوريا بما يعادل 90 دولار أي 1.3 مليون ليرة سورية، أي أرخص بـ 600 ألف من سعر الألواح المحلية الصنع.
أما فيما يتعلق بشاشات التلفاز، بينت المصادر أن سعر الشاشة 43 بوصة في لبنان 120 دولار، وتصل لسوريا وتباع بمبلغ 2.2 مليون أي ما يعادل 150 دولار.
وأكدت المصادر لـ “أثر” أن السيارات الكبيرة والشاحنات تدخل يومياً إلى سوريا قادمة من لبنان محملة بمئات الألواح والشاشات، وتوزع لجميع المحافظات من حمص وريف دمشق بحسب ما علمت المصادر من المستوردين السوريين.
الداخل السوري يثبت:
أكد صاحب محل لبيع الألواح الشمسية لـ “أثر” أن حركة بيع ألواح الطاقة الشمسية نشطت في الفترة الأخيرة أكثر من سابقها، ولكن مع الارتفاع الدوري بأسعارها اتجهت الأنظار للألواح الأجنبية المهربة من لبنان إلى سوريا، كونها أقل تكلفة وأكثر جودة.
وبيّن أن مصدر هذه الألواح الأجنبية في سوريا هو بعض المهربين والتجار، وهم يقومون بتوزيعها للبائعين، والبائعون يخيّرون الزبائن إذ يرغبون بشراء الألواح الوطنية أم الأجنبية، والأهالي يفضلون شراء الألواح الأجنبية كونها أرخص.
كذلك الأمر، صاحب محل لبيع الأدوات الكهربائية كشف لـ “أثر” أن البضاعة المحلية أغلى من الأجنبية وأقل جودة، وبالتالي يتم اللجوء لشراء الأدوات الأجنبية، وخاصة في الفترة الأخيرة زاد الطلب على شراء الشاشات الأجنبية ولكن يمنع على البائعين أن يضعوها في محالهم، لذا يلجأ الأهالي لشرائها من قبل الموزعين والمهربين مباشرة.
يذكر أن اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء أصدرت توصية تنص على فرض ضميمة على ألواح الطاقة الشمسية المستوردة بقيمة 25 دولاراً لكل لوح، من أجل “دعم وتشجيع وحماية الصناعات الوطنية، وخاصة القطاعات التكنولوجية وذات التقانات الحديثة”.
في حين أكد مدير التكاليف في وزارة الصناعة إياد خضور لـ”أثر” أن فرض الضريبة لن يؤثر على الأسعار، ولا يعني إلغاء المستوردات.
الجدير ذكره، أن مدير صندوق دعم الطاقات المتجددة المهندس زهير مخلوف أكد في وقت سابق لـ”أثر برس” أنه تم إيقاف التسجيل المباشر للحصول على قرض الطاقة الشمسية، وأصبح التسجيل عبر منصة إلكترونية.
أمير حقوق
مدير مركز بحوث الطاقة: بدأنا بتجهيز مسودة دراسة مشروع المركبات العاملة بالطاقة المتجددة
خاص || أثر برس ذكر مستثمر الباصات الكهربائية مصطفى المسط لـ “أثر” أن مشروع الباصات الكهربائية التي سيتم استيرادها من الصين (بعد صدور المرسوم التشريعي وبمدة أقصاها خمسة أشهر)، متوقف حالياً في وزارة النقل التي تم تكليفها لإعداد الصك التشريعي، فيما تؤكد مصادر بوزارة النقل لـ”أثر” أن رئاسة الحكومة وجهت وزارات عدة لدراسة موضوع الباصات الكهربائية، وليس وزارة واحدة، وبناء عليه تم تشكيل لجنة مهمتها تقديم دراسة كاملة حول موضوع المركبات العاملة بالطاقة المتجددة.
إلا أن مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة الدكتور المهندس يونس علي (أحد أعضاء اللجنة) أوضح لـ “أثر” أن مهمة اللجنة المشكّلة هي إعداد دراسة حول المركبات العاملة على الطاقة الشمسية، وليس اقتراح وإعداد صك تشريعي، إذ أن الصك التشريعي مكلفة به وزارة النقل، استناداً إلى كتاب وزير الاقتصاد.
وأضاف: المركز الوطني لبحوث الطاقة بدأ بتجهيز مسودة الدراسة ليتم عرضها على ممثلي الجهات الموجودة في اللجنة، بحيث تكون الدراسة متكاملة، وتراعي وجهات نظر الجميع، متوقعاً ألا تتأخر اللجنة في إنجازها للدراسة، مشدداً على أنه لن يكون أحد مخرجات الدراسة إعداد مشروع صك تشريعي، وإنما سيتم الإشارة إلى ضرورة إصداره.
كما لفت الدكتور علي إلى صدور كتاب عن وزارة الكهرباء يحدد مهام اللجنة المشكّلة، والتي تتركز فقط على “إجراء دراسة للتحول إلى النقل الكهربائي”، وموافاة لجنة الموارد والطاقة بنتائج هذه الدراسة.
بدوره وفي تصريح سابق لـ “أثر” أكد مستثمر الباصات أن المشروع خطوة باتجاه التحول الطاقي، إذ أنه يعتمد على الطاقة المتجددة ويمثّل تحدياً حقيقياً لمواكبة التحولات والتطورات الحالية، علماً أنه تم تحديد أرض لإنشاء محطة التوليد بعد موافقة وزارة الكهرباء والجهات المعنية، وكذلك تم تحديد مراكز للشحن في عدد من المحافظات، ونال موافقة المركز الوطني لبحوث الطاقة وغيرها من الموافقات ذات الصلة.
لينا شلهوب
خاص|| أثر برس قضى أمس الجمعة 13 عنصراً من القوات الرديفة للجيش السوري في بادية السخنة بريف حمص الشرقي، جراء تعرضهم لهجوم نفذه مسلحون.
وأفاد مراسل “أثر برس” في حمص بأن مسلحين يُرجّح أنهم تابعون لتنظيم “داعش” نفذوا هجوماً طال عدداً من النقاط بمنطقة الكوم شمال السخنة بريف حمص الشرقي، ما أودى بحياة 13 عنصراً من القوات الرديفة للجيش السوري.
وفي 18 نيسان الفائت تبنّى تنظيم “داعش” استهدافاً طال حافلة مبيت تابعة للقوات الرديفة للجيش السوري، ما أودى بحياة 21 عنصراً من القوات الرديفة.
وفي 9 كانون الثاني 2024 قضى 9 عسكريين من الجيش السوري وأُصيب 22 آخرون إثر استهداف باص مبيت شرق المحطة الثالثة في بادية تدمر بريف حمص الشرقي.
وتتحصّن خلايا تنظيم “داعش” في المناطق الصحراوية، وتنفذ باستمرار هجمات ضد الجيش السوري والقوات الرديفة، وسبق أن أكدت مصادر ميدانية لـ”أثر برس” أن “ما تبقى من فلول تنظيم داعش يتنقلون بين مقرات غير دائمة، إذ يعمدون إلى تغيير مواقعهم بشكل دائم ضمن مجموعات بأعداد قليلة في جيوب صغيرة في بادية تدمر، وذلك بمناطق الرشولنية جنوب شرقي السخنة وجبل البشري على الحدود الإدارية بين محافظتي حمص ودير الزور ومنطقة جبل العمور وكذلك منطقة سد أبو النتيل باتجاه ريف حمص و جنوب غرب الفاسدة بريف حماه الشرقي”.
وتبلغ مساحة البادية السورية نحو 80 ألف كيلومتر مربع، وتنقسم صحراؤها إلى محافظات سورية عدة، بينها دير الزور وحمص وحماة والرقة وحلب وحماة، ووفق إحصائيات لـ”المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات” فإن خلايا التنظيم تنتشر على مساحة تمتد إلى 4000 كيلومتر مربع من البادية السورية.
وفي وقت سابق، أوضح الباحث السوري في “مركز الشرق للسياسات” سعد الشارع، أن “تنظيم داعش يتفوق عسكرياً وأمنيا في البادية السورية”، لاعتبارات تتعلق بخبرته الطويلة في البوادي والصحارى، إن كان في سوريا أو العراق، مؤكداً حقيقة أن هجمات التنظيم في سوريا تستهدف الجيش السوري والقوات الرديفة له بشكل مستمر، وفق ما نقله موقع قناة “الحرة” الأمريكية.
وأضاف أن الحالة التي يتمركز فيها تنظيم “داعش” في البادية السورية تسمح له بالهجوم باتجاهات متنوعة، موضحاً أن “وجوده في الجهة الشرقية من مدينة تدمر (البادية الشامية) يسمح له بشن عمليات في جغرافيا واسعة وعلى طول الطرق الواصلة بين البوكمال شرق دير الزور مرورا بالميادين وبادية السخنة، وحتى بلدة عقرب، كما يتيح وجوده في شمال تدمر أو ما يسمى ببادية الكوم شن هجمات في الجهة الشرقية من محافظة حلب والجهة الغربية لمدينة الرقة، والخاصرة الشرقية لمحافظة إدلب”.
ويضيف الباحث أنه “بناء على خريطة الانتشار المذكورة “يستطيع داعش كشف جميع الطرق بشكل جيد وشن الهجمات ونصب الكمائن”.
ومنذ آب 2023 تزايدت هجمات خلايا تنظيم “داعش” في البادية السورية، وغالباً ما تطال استهداف “داعش” الجيش السوري والقوات الرديفة له، على الرغم من سيطرة قوات أخرى على منطقة البادية، إذ يسيطر فصيل “جيش سوريا الحرة” المدعوم أمريكياً على منطقة التنف، بينما تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” على أجزاء من بوادي دير الزور والرقة.
عثمان الخلف- دير الزور
خاص|| أثر برس أعلنت الصين الثلاثاء الماضي، تبنيها رسمياً المصالحة بين القوى الفلسطينية “حركة المقاومة الفلسطينية- حماس” و”حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح”، لتوحيد الصف الفلسطيني، ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
وتشير المصالحة الفلسطينية التي تقودها بكين، إلى وجود نيّة لإعادة إحياء مسار محادثات السلام “الفلسطينية- الإسرائيلية”، والتي قد توقفت منذ قرابة عشرة أعوام. ودور بكين فيها، ليس من فراغ، إذ كانت وما تزال حتى الآن، داعمة لقيام دولة فلسطينية مستقلة وإقامة سلام “فلسطيني- إسرائيلي” على مبدأ حل الدولتين.
أولاً- المصالحة الفلسطينية بدأت من الصين والمؤشرات الأوّلية إيجابية
تُشير المخرجات الأوّلية التي نُقلت عن اللقاء الذي جرى بين ممثلي القوى الفلسطينية في بكين، إلى بدء فعلي للتسوية السياسية بين حركتي (فتح) و(حماس)، وبالتالي هناك توحيد بات قاب قوسين بين القوى الفلسطينية المتعارضة منذ ما يزيد على 17 عاماً، ضمن غطاء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهذا ربما سيكون بداية للعودة إلى مفاوضات سلام “فلسطينية- إسرائيلية” جديدة، وربما تكون أكثر جدّية.
وكانت وزارة الخارجية الصينية قد أعلنت، يوم أمس، إجراء ممثلي حركتي “حماس” و”فتح” محادثات في بكين بهدف المصالحة بينهما. إذ صرّح المتحدث باسم الوزارة لين جيان، للصحافيين: “بناء على دعوة من الصين، أجرى ممثلو حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) زيارة بكين مؤخراً لإجراء مناقشات متعمقة وصريحة للدفع باتجاه المصالحة الفلسطينية”. مؤكداً أنهما أكّدا أن لديهما كامل الإرادة السياسية لتحقيق المصالحة بالحوار والتشاور، بعد مناقشة عدد من القضايا المحددة والتي أحرزا فيها تقدماً، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط”.
يؤكّد تصريح جيان، أنّ مسار المصالحة الفلسطينية يسير وفق ما هو منشود له، وبالتالي هناك مسائل أولية (مخرجات) تم الاتفاق عليها مبدئياً، سيكون جدول أعمال للقاء القادم بينهما في 14 حزيران المقبل، في بكين، وذلك بحسب ما أوردته صحيفة “العرب” اللندنية عن مصادر مطلعة. وتمثّلت المخرجات الأولية، المشار إليها، بحسب الصحيفة، بما يلي:
- تأكيد ضرورة الوحدة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
- التشديد على انضمام القوى والفصائل الفلسطينية كافة إلى منظمة التحرير ومؤسساتها باعتماد الاتفاقيات السابقة، وإحياء اللجان المشتركة بينهما.
- ضرورة تشكيل حكومة توافق وطني غير فصائلية مؤقتة أثناء حرب الإبادة أو بعدها، من مهامها تأدية واجباتها الفنية والإدارية في الإغاثة وإزالة آثار العدوان وإعادة إعمار غزة. وتوحيد المؤسسات الفلسطينية والتحضير لإجراءات الانتخابات العامة.
- الترتيب مع الجهات المعنية في غزة لتشكيل لجنة ثنائية مشتركة في القاهرة للتنسيق والمتابعة.
- معالجة أي إشكاليات بين الطرفين، ووقف التراشق الإعلامي المتبادل بينهما.
جرت خلال السنوات الماضية، لقاءات عدة بين ممثلي القوى الفلسطينية لتوحيد الصف الفلسطيني، وكان آخرها في شباط الماضي في العاصمة الروسية موسكو، إذ اتفقت الأطراف الفلسطينية على “استمرار جولات حوارية قادمة للوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
وسبق ذلك لقاء آخر في مدينة العلمين المصرية في 30 تموز 2023، وثالث سبقه في الجزائر في تشرين الأول 2022، من دون أن تُسفر تلك اللقاءات عن خطوات عملية جادّة تحقق هدفها.
ثانياً- أهمّية الدور الصيني في المصالحة وأفق نجاحها
يكتسب اللقاء بين القوى الفلسطينية في بكين، أهمية كبيرة في مسار المصالحة، خصوصاً وأن الصين دولة لها ثقل كبير على المستوى العالمي، وهذا الدور يزداد تأثيراً يوماً بعد يوم على المستوى الدولي على مختلف الأصعدة وخصوصاً السياسية والاقتصادية. وسجلت على مر السنوات الماضية، مواقف تاريخية تجاه القضية الفلسطينية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أم على مستوى مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها، وكانت آخرها مطالبة بكين بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ الدراسات الدولية في جامعة صون يات سين الصينية، الدكتور شاهر الشاهر في حديث لـ “أثر برس”، أنّ المحادثات برعاية الصين هي مختلفة تماماً عما جرى سابقاً، وأنّ دور بكين يكتسب أهمية خاصة، لأنها تقف على بعد واحد من الأطراف المتصالحة، إضافة إلى حجمها على المستوى الدولي، وعلاقتها بالأطراف الإقليمية المؤثرة في الأطراف الفلسطينية”.
وحول مستقبل اللقاء بين القوى الفلسطينية، يرى الشاهر أنّ إعلان الخارجية الصينية تقدماً مشجعاً في المحادثات التي جرت بين حماس وفتح، هو مؤشر مهم ويشير إلى وجود خطوة أولية جادة لإنجاز المصالحة”. وبالتالي سيقود ذلك لاحقاً إلى مفاوضات السلام “الفلسطينية- الإسرائيلية”، التي كانت الصين قد أعلنت تبينها قبل معركة “طوفان الأقصى”.
وأكد أنّ الصين على يقين أنه “لا يمكن أن تصل مفاوضات السلام إلى نتائج ملموسة إذا لم يكن هناك اتحاد في الصف الفلسطيني أولاً”. والصين، برأيه، هي راعٍ مهم لمحادثات السلام التي قد تُستأنف مستقبلاً وتقف وراء ذلك أسباب عدة، بحسب ما ذكره الشاهر وهي:
- انحياز الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل كبير لـ “إسرائيل”، منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، وبالتالي لم يعد ممكناً لها تأدية دور الوساطة.
- روسيا أيضاً غير مرغوبة من الأطراف الأخرى، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
- وجود مساعٍ دبلوماسية صينية سابقة ناجحة وأبرزها دورها في المفاوضات السعودية- الإيرانية، وإعادة العلاقات الثنائية بين البلدين.
- قدرة الصين في التأثير بإيران والسعودية ودول إقليمية أخرى فاعلة في القضية الفلسطينية.
وحول موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الدور الصيني، وتأثيراته بمصالحها في المنطقة، قال الشاهر: “بتصوري فإن الصين أقدمت على المصالحة باتفاق أمريكي، وحتى الأمريكي يريد اليوم تهدئة في المنطقة حالياً خصوصاً وأن الأخير مقبل على انتخابات”.
ويجدد الشاهر تأكيد أنّ آلية تفكير الصينيين تجاه رعاية عملية السلام “الفلسطينية- الإسرائيلية” ليست مجرد تسوية سياسية نظرية وإنما هي عملية هندسية صينية دقيقة ومدروسة بشكل علمي بحت، بمعنى أنها تستند إلى رؤى وخرائط تراعي الواقع وتجنب الاحتكاكات بين الطرفين.
ثالثاً- ما تأثيرات ما سيجري في الملف السوري؟
ارتفعت حدّة الحرب الغربية على سوريا خلال السنوات الماضية، نتيجة اعتبارات عدة، أبرزها أنّ سوريا تمثل ركيزة لمحور المقاومة، وتبنيها القضية الفلسطينية، وأخرى تتعلق بطبيعة الموقع الجيوسياسي للبلاد. وفي عام 2011، شُنت حرب كبيرة في البلاد نتج عنها دمار، واحتلال أمريكا وتركيا عدداً من المناطق، أدى إلى خسائر اقتصادية، وتهجير أكبر للبنى الاجتماعية.
إضافة إلى ما سبق؛ لم تكتف الدول الغربية وحلفاؤها بما جرى. بل خطت تجاه أكبر من ذلك، إذ شكلت مخططاتها، محاولة لإفراغ الموقع الجغرافي السوري من أهميته الجيوسياسية إقليمياً، بإفشال جميع المشاريع التي كانت سوريا جزءاً منها، ومن ثم إعادة نسج مشاريع أخرى تبقى مُستثناة منها ما سيفرض عليها البحث عن اصطفافات تخدم مصالحها وتحافظ على دورها في المنطقة. خصوصاً وأنّ التوتر الأخير بين إيران و”إسرائيل”، أدى إلى إحداث توازنات جديدة في المنطقة، وخصوصاً فيما يتعلق بطبيعة مواقف الدول الخليجية منه وتأثيرات ذلك في علاقة هذه الأخيرة مع “إسرائيل”. وهنا يرى الشاهر، أنّ الرد الإيراني فعلياً، غيّر توازنات القوى في المنطقة، وجعل دول الخليج تعيد حساباتها بشكل دقيق وجيد، بمعنى لا يمكن تجاهل دور إيران أو التفكير بمواجهتها”.
ويرى الشاهر أنّ التوازنات الجديدة هناك ما يرتبط منها بالمشهد السوري بكل تأكيد، وخاصة عملية السلام التي ترعاها الصين وتسعى المملكة العربية السعودية لإنجاحها، بإعلانها الموافقة على التطبيع مع “إسرائيل” مقابل اعتراف الأخيرة بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وبالتالي لا يمكن تجاهل أهمية سوريا، انطلاقاً من فكرة أنه “لا سلام من دون سوريا”.
تطور العلاقات السورية- السعودية أدت إلى تغير في مواقف دول أخرى تجاه دمشق، وهو ما يفسر ربما رفض الرئيس بايدن التوقيع على مشروع “مناهضة التطبيع مع سوريا”. كما يربط الشاهر زيارة وزير الخارجية البحريني إلى دمشق، ولقائه الرئيس بشار الأسد بهذه المسألة، خصوصاً وأن المنامة لم تدين الاعتداء الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق وبقت حينها المسألة محط خلاف لأنها تخص سوريا وإيران معاً. وبعد ذلك، جاءت الزيارة، ربما بحسب الشاهر، لإيضاح ما كان غامضاً، إذ يرى أنّ الزيارة يُستشف منها تغيراً في المواقف الخليجية بالعموم، وربما ستتبعه تغيرات أخرى إن حدثت؛ فهي تؤكّد سير دمشق خطوة إلى الأمام في مسار الحل الإقليمي الذي تقوده الصين مع الفلسطينيين حالياً.
وكمؤشر على تطور العلاقات بين دمشق والمنامة، يدعو الشاهر إلى انتظار إعلان عودة خطوط الطيران بين البلدين على سبيل المثال، فهي إن حدثت فستعد مؤشراً على التطور في تلك العلاقات. خصوصاً وأن البحرين أعادت خطوطها الجوية مع العراق مؤخراً.
ويقول الشاهر: “السعودية تسير باتجاه ترغيب “إسرائيل” بحل الدولتين، وهو مخرج لنتنياهو وحكومته”. بمعنى أن حل الدولتين مقابل إقامة علاقات مع المملكة العربية السعودية، لما للمملكة من أهمية رمزية لـ “إسرائيل”، سواء من الناحية الاقتصادية، أم كونها عاصمة الإسلام بالنسبة لدول العالم.
وبالتالي، يعتقد الشاهر، أنّ ما يجري ربما يندرج ضمن تنسيق مشترك، للوصول إلى مفاوضات سلام، و”الصمت السوري” في حرب غزة، ربما هو مؤشر على هذا الموضوع، من دون أن نغفل طبعاً دور سوريا التاريخي باعتبارها جزءاً من محور المقاومة.
ويعيد الشاهر تأكيد أنّ ما يجري هو مدخل لعملية سلام “فلسطينية- إسرائيلية” برعاية الصين، وهي كانت مطروحة من قبل، ولكن بالأخير لا يوجد سلام إلا بسلام شامل في المنطقة، وإن حدث سلام بين الفلسطينيين و”إسرائيل” وحتى إقامة علاقات للأخيرة مع المملكة العربية السعودية، فهذا سيحتم على الجميع أن تكون سوريا حاضرة وموافقة. وهذا التقارب هو ما سيجمع السعودية وسوريا بشكل أكبر خصوصاً بعد التضييق على المملكة بتوقيع الاتفاق “القطري- الإماراتي- العراقي- التركي” حول مشروع “طريق التنمية”.
ويضيف الشاهر، “على الرغم من أن مستوى العلاقات السورية- الإماراتية جيد، فإنّ استثناء دمشق من الاتفاق على المشروع الذي ترعاه واشنطن، جعل الرياض هي الأكثر قرباً منها في المرحلة المقبلة، خصوصاً وأنّ الأخيرة هي أيضاً محيّدة عنه”.
ناهيك عن الخلافات التي تجمع البلدين مع تركيا رأس المشروع من الشمال، والراعي الأكبر لمشروع الإخوان المسلمين في المنطقة.
وكانت قد أبرمت كل من الإمارات وتركيا والعراق وقطر، يوم الاثنين 22 نيسان الفائت، مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع “طريق التنمية”، خلال اجتماع في العاصمة العراقية، بغداد. وذلك برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني.
ومشروع طريق التنمية، تم إطلاقه فعلياً بتاريخ 28 أيار 2023 في بغداد، وبحضور ممثلي دول عدة من بينها سوريا والتي مثلها وفد ترأسه وزير النقل السوري زهير خزيم. ويهدف إلى الربط السككي والبري بين ميناء “الفاو” في البصرة جنوبي العراق حتى ميناء “مرسين” التركي على المتوسط. ويبلغ طوله 2200 كيلومتر، القسم الأول منه بطول 1200 كم داخل العراق. والغاية الرئيسة للمشروع ربط تجارة شرق العالم بغربه، وتخفيض زمن الرحلة البحرية من 33 إلى 15 يوماً. وبالتالي تشجيع الممر الهندي على حساب مشروع الحزام والطريق الصيني، وتجاوز مضيق هرمز الذي لإيران شبه سيطرة عليه، ومحاربة مصر بإبعاد طرق التجارة عن قناة السويس، وهو ما سيترتب عليه خرائط جديدة ومشاريع جيوسياسية ستشهدها المنطقة مستقبلاً.
قصي المحمد
خاص|| أثر برس هل ثمة ظاهرة حزبية في سوريا، وهل تمثل الأحزاب ظاهرة سياسية حاضرة ووازنة بالفعل، وهل يمكن تخيُّل بلد فيه حياة سياسية من دون أحزاب؟ وما معنى الحديث عن سياسة ومشاركة وانتخابات، وطموحات وتطلعات، ومواجهة التحديات، واحتواء مصادر التهديد أو اغتنام الفرص، وحتى مجتمع ودولة، من دون أحزاب؟
لا بد من التنويه بأن النص يريد التفكير في الظاهرة الحزبية في سوريا، وطرح جانب من الأسئلة التي يرى الكاتب أنه من الواجب طرحها في ظروف سوريا اليوم. ولا يقصد التقليل من أهمية ودور الأحزاب في تاريخ البلاد.
قد تكون الأحزاب السياسية إحدى أهم الإبداعات والابتكارات التي قدمتها الحداثة في أوروبا، ومنها انتقلت إلى أنحاء العالم. صحيح أن الظاهرة الحزبية تراجعت في العالم، ومنها دول المركز العالمي، ربما قبل أن تستقر وتنضج في الأطراف، وصحيح أنه ثمة بدائل حداثية وما بعد حداثية للتنظيم والفعل السياسي تتجاوز الأحزاب بالمعنى المعروف (التقليدي)، إلى شبكات الاتصال والتنظيم والمناصرة والمدافعة والتأثير الاجتماعي والسياسي؛ لكن الأحزاب ما زالت تمثل إحدى أسس السياسة في العالم، على مستوى المجتمعات والدول، ومنها ما له تأثير عابر للجغرافيات والأمم والأقوام.
والآن، أين الأحزاب السياسية والظاهرة الحزبية في سوريا من الشروط أو الظروف والمقدمات التي أنتجت حالة الصراع والحرب في البلاد، في أبعادها ومحدداتها المختلفة، الداخلية خصوصاً؟ وهل فكرت الأحزاب السياسية بالواقع، هل أنتجت قراءات وتقديرات حوله، وأي خبرة نظرية أو معرفية ونقدية وحتى تنظيمية راكمتها على هذا الصعيد؟ هل طرحت الأحزاب أي أفكار في سوق المعنى والتفكير حول الحرب، وحول سوريا ما بعد الحرب؟
لعل السؤال الأهم والأكثر حساسية وحرجاً هو: هل ثمة أحزاب حاضرة في سوريا، وما دورها في سياسات الحرب، وهل ينشغل الناس حقاً بوجود أحزاب، هل يلاحظون وجودها في حياتهم وشواغلهم ومتطلباتهم وتطلعاتهم؟
الأسئلة كثيرة وكبيرة ومعقدة. وسوف أستبق بعض التلقي المتوتر وربما الكيدي والتأثيمي لهذا الكلام، لأقول: ثمة موانع وكوابح كثيرة وكبيرة ومعقدة أيضاً، حالت وما تزال دون وجود ظاهرة حزبية جدية في البلاد. أقول ذلك حتى لا يبدو الكلام قاسياً أو متحاملاً على الأحزاب من جهة، وحتى لا أغفل عن الظروف الموضوعية التي تحيط بها، والتي أدت إلى شبه “موت” للظاهرة الحزبية، كما كنا نعرفها. وقد كان للأحزاب دور مهم في تاريخ البلاد، كما سبقت الإشارة.
لكن، إذا كانت ثمة مبررات لتراجع الظاهرة الحزبية، فقد لا ينسحب ذلك تماماً إلى حزب البعث الحاكم في البلاد منذ العام 1963. ولا شك أن الحزب المذكور مر بتحولات وأدوار وأطوار متعددة، ونجاحات وإخفاقات، وأسهم في دفع البلاد إلى مستويات مهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ودفع بمشروعات وطنية وعروبية، لكنه بالمقابل حَكَمَ البلاد، بكيفية أدت بالظاهرة الحزبية إلى ما هي عليه اليوم، ولا نبالغ إذ قلنا إن تلك الكيفية كانت -مع عوامل وتداخلات وضغوط وإكراهات كثيرة- إحدى محددات وصول البلاد إلى ما هي عليه اليوم أيضاً. وهذا ليس حكم قيمة على الحزب، وثمة الكثير مما يمكن أن يقال عن جهوده وتأثيره في المستوى الوطني والإقليمي.
الواقع، أنه ثمة شكوك في أن الحزب قرأ ما يحدث في الداخل والخارج بالشكل الصحيح، ومنها التحولات في القيم الاجتماعية والسياسية، والتغيرات الجيلية، والإخفاق في السياسات العامة، والتحول في اتجاهات القيم لدى البيئة الداعمة له والمدعومة من قبله، من الأرياف المدن الريفية إلى المدن الكبرى، ومن الفلاحين والعمال والشرائح الأضعف إلى قطاع المال والأعمال. وكيف أن الناس أخذت تبتعد عن السياسة بالمعنى الذي كان معروفاً، وأن ذلك لم يكن عزوفاً عن السياسة والأحزاب، بقدر ما كان انخراطاً في السياسة إنما بوسائل أخرى.
وأظهرت استقطابات الأزمة والحرب منذ العام 2011، إلى أي حد كان الحزب غارقاً في منطقة “الأمان الكسول”، ولم يقرأ كيف أصبح مفتقراً لتأييد شريحة متزايدة ممن يفترض أنه صوتهم وقوتهم، وكانوا قبل ذلك “مادته” و”عدته” في حكم البلاد. وهذا باب فيه كلام كثير.
قد يكون غريباً أن الأحزاب لا تكاد تقول شيئاً حيال الأزمة والحرب، أو حيالها هي بالذات؛ لا تفعل شيئاً تقريباً حيال أعضائها ومحازبيها وجمهورها، ولا حيال غيرهم. وبدت البلاد كما لو أنها بلا أحزاب، خلا استثناءات قليلة خلقتها ظروف الحرب؛ وبلا فواعل سياسية من غير أجهزة الدولة ومؤسساتها. ويفترض في حالة حرب من هذا النوع أن تستثير استجابات اجتماعية موازية لاستجابة الدولة، ولا شك أن شيئاً من ذلك حدث، بقوة وهمة، لكن ليس في أفق الأحزاب السياسية، كما تتكرر الإشارة.
وبالكاد تجد صحيفة أو منبراً يقول رأياً حزبياً حول الشأن العام. وأنا لا أتحدث عن “كلام في السياسة”، وإنما عن آراء أو برنامج قابلة للقراءة، أو قابلة للتلقي بالمعنى الاجتماعي والسياسي وتكون قادرةً على تمييز نفسها -ولو بالحد الأدنى- من الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي أو شبه الرسمي. لا شك أنه ثمة منابر ومواقع وصفحات تتحدث باسم أحزاب، ولكن هذا ليس ظاهرة حزبية بالمعنى الذي تعرفه الأحزاب في العالم، أو بمستوى الأزمة والحرب في البلاد وعليها.
والآن، لو أن زكي الأرسوزي، أو أنطون سعادة، أو ساطع الحصري، أو مصطفى السباعي، أو ميشيل عفلق، أو ياسين الحافظ، أو الياس مرقص…إلخ شهدوا الحرب، ماذا كان يمكن أن يقولوا ويفعلوا؟ وهل يمكن لوثائق وأوراق حزبية كتبت منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي أن تقول شيئاً اليوم؟ هل يمكن أن تمثل متكئاً لظاهرة حزبية حيوية اليوم، هل تجد نصوصٌ حزبية تأسيسية من يقرأها اليوم، هل هي قابلة للقراءة؟
وهل تجد نصوصٌ مثل “بعض المنطلقات النظرية” لـ”حزب البعث” من يقرأها. بل هل قرأها أو عرفها قياديون وناشطون بعثيون اليوم؟ قد لا نجد الكثير من المؤشرات الدالة على ذلك، بصرف النظر عن الفائدة المتوقعة من قراءة نصوص من هذا النوع، في تحليل الحدث السوري اليوم وعوالمه المختلفة والمتداخلة. وهذه مسألة خلافية في أي حال.
إذا لم تفكر فواعل السياسة أو ما يفترض أنها كذلك، بأحوالها وأفكارها وحضورها وتأثيرها…إلخ، بعد كل ما حدث، وإذا لم تراجع ما كانت عليه ولم تطرح الأسئلة المناسبة، فهذا يعني أنها في حالة “اغتراب” أو “انفصال” عن مقتضيات الواقع، أو “حالة إنكار”، أو هي في “حالة استقالة” أو ربما في “موت”، إن أمكن التعبير. وأرجو أني لا أبالغ في ذلك.
لكن، لماذا لم تتمكن الظاهرة الحزبية من النظر إلى نفسها فكرياً وثقافياً وسوسيولوجياً، ولماذا أصبحت الأحزاب والتنظيمات أقرب لهيكليات “بلا مجتمع” و “لا مثقفين”، و “لا برامج” و “لا سياسات”…إلخ، بل أنها أقامت “حواجز” بينها وبين المجتمع وفواعله الفكرية والثقافية، بما هم فواعل وذوات وإرادات، وأصرت على النظر إليهم بوصفهم “موضوعات” و”محازبين” و”أتباع” أو بكلمة واحدة “جمهور” أو “جماهير”؟
وهل حاول فواعل السياسة فهم الواقع كما هو، أم أنهم أقاموا أو هندسوا أو شكلوا فكرة عنه (الواقع)، من دون توفر شروط يمكن أن تساعدهم في ذلك، أو في التحقق مما فعلوه، ما إن كان حقيقياً أو واقعياً، أو كان متوهماً وبعيداً عن الواقع؟ ولو حاول فواعل السياسة والفكر أن “يعَوا الواقع”، فهل يمكنهم ذلك حقاً، هل يمكنهم التفكير، من خارج الأطر والمرجعيات المفاهيمية التي شكلت عقديتهم أو إيديولوجيتهم؟
قد لا يكون من السهل على الأحزاب أن تفكر، وإذا حاولت ذلك فقد لا تتمكن من الخروج عن النمط الفكري والمفاهيمي، وحتى الإجرائي والتنظيمي، الذي يطلب من المحازبين الإخلاص لما هو مقرر ومحدد سلفاً، بما في ذلك أفق التفكير. وإذا ما خرج أحد عن الصراط، فمصيره الطرد من جنة الحزب، والوصم بالانحراف، والاتهام بالعمالة أو التخوين، أو سوء النية، على أقرب تقدير. حدث ذلك كثيراً لدرجة أن من يريد التفكير يجد نفسه خارج الأحزاب، سواء فعل ذلك بقرار ذاتي أم فعلت الأحزاب ذلك به، بقرار منها. وهذه معضلة الأحزاب ككل، وليس فقط الأحزاب في سوريا أو حزب البعث تحديداً.
وفي الختام،
إن الحزب السياسي، بتعبير مستعار من أنطونيو غرامشي، هو “الأمير الحديث” الذي يتطلع ليس لـ”الحكم” أو “المشاركة في الحكم” أو مجرد الحفاظ عليه، وإنما لـ”تغيير” المجتمع والدولة، والدفاع عنهما، والدفع بهما إلى الأمام. ويفترض بالأحزاب السياسية أن تكون “قوة تحريك” أساسية في المجتمع والدولة، لا “قوة عطالة”.
واستعير أيضاً، بشيء من التصرف، كلاماً مهماً للفيلسوف آلان باديو، يتحدث عن أن السياسة هي خلق وإبداع للمفاهيم والمدركات، وخلق للدالات والتفاعلات، وأن هذا ما يُفترض أن تحاوله الأحزاب، وخصوصاً تلك التي يقع على عاتقها حمل البلاد إلى بر الأمان. وهذه أيضاً مهمة تحت اختبار دائم، وإذا وجد الحزب أنه في تراجع أو تعثر أو إخفاق، فإن عليه أن يعيد النظر في نفسه وفي واقعه وعالمه.
إن أحزاباً “بلا فكر” أو “بلا تفكر”، هي أحزاب “لا تعمل” بمقتضى كونها أحزاب ذات قوة وحيوية، إنما بوصفها جماعات أو عصائب، غايتها الحفاظ على نفسها، وما أمكن من تأثير وضبط وتحكم (أو مشاركة) في توزيع الموارد المادية والمعنوية. وهذا ما يجب أن “تتحرر منه” الأحزاب، لا أن تجد فيه أو تسعى إليه.
الدكتور عقيل سعيد محفوض