خاص|| أثر برس يُعد القطن، أو ما يُعرف اقتصادياً بـ”الذهب الأبيض”، من أهم المحاصيل الاستراتيجية في سوريا، إذ يتجاوز أهميته كسلعة ليشكل العمود الفقري للزراعة والصناعة، ترتبط زراعته بعدة صناعات، أبرزها الزيوت والنسيج، التي تلعب دورا محورياً في قطاع الألبسة، إلى جانب توفيره لفرص عمل واسعة في القطاعين الزراعي والصناعي.
كان القطن، إلى جانب القمح، يتصدر قائمة المحاصيل الزراعية الاستراتيجية في سوريا، حيث بلغت المساحات المزروعة به قبل الحرب 175 ألف هكتار بأعوام 2008-2009-2010 بإنتاجية وصلت إلى مليون طن، وتُشكّل محافظات الحسكة وشمال شرقي الرقة (تل أبيض وعين العرب) نحو 70% من إجمالي الأراضي المزروعة، ولكن نتيجة الحرب وخروج تلك المناطق عن سيطرة الدولة، تراجعت المساحات المزروعة بشكل كبير، ومع استعادة الحكومة السورية السيطرة على بعض المناطق، خاصة في ريف حلب، شهدت المساحات المزروعة زيادة هذا العام بـ 1547 هكتار مقارنة بالعام الماضي.
ويرجع مدير مكتب القطن في وزارة الزراعة المهندس أحمد العلي في حديثه لـ “أثر برس” زيادة المساحة المزروعة بالقطن إلى زيادة سعر القطن الذي اشترت به الحكومة القطن من المزارعين والذي كان حينها 10 آلاف ليرة للكيلو الواحد، معتبراً أن السعر تشجيعي للزراعة وزيادة المساحات المزروعة، مبيّناً أن إجمالي المساحات المزروعة هذا العام بلغت 8722 هكتار من إجمالي المساحة المخططة والبالغة 14019 هكتار أي بنسبة تنفيذ 62 %، ومن المتوقع أن يكون إنتاج الهكتار بين 2.5 – 3 طن للهكتار.
ارتفاع تكاليف الزراعة يعيق التوسع بزراعته:
على الرغم من الزيادة المسجلة، إلا أن المساحة المزروعة ما تزال أقل من المخطط بنسبة 38%، وهو ما أرجعه المزارعون إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، إذ يوضح المزارع “رفعت” من ريف حلب أن زراعة القطن تتطلب نفقات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالأسمدة والري، إذ يحتاج الهكتار الواحد إلى 413 كغ من سماد اليوريا و130 كغ من سماد الفوسفات، إضافة إلى 12 رية، ما يزيد من استهلاك المحروقات، خاصة في المناطق التي لا توجد بها مشاريع ري حكومية.
ويضرب المزارع أبو محمد مثالاً حقيقياً قائلاً: محرك 4 رؤوس يحتاج إلى 4 ليتر مازوت بالساعة والهكتار الواحد بحاجة إلى 10 ساعات حتى يروى بالشكل المطلوب، وبعملية حسابية فإن 10 ساعات ري تحتاج ( 40 ليتر X 15 ألف سعر الليتر الواحد ) يساوي 600 ألف ليرة للريّة الواحدة أي أن 12 رية تحتاج إلى 7200000 ليرة وهي حاجة هكتار واحد فقط.
ويؤكد المزارعون أن ارتفاع تكاليف اليد العاملة هي عائق إضافي حيث تبلغ ساعة العمل بالقطاف 10 آلاف ليرة، أو 1500 ليرة عن كغ يتم قطافه، كما أن الهكتار الواحد يحتاج إلى نحو 12 عامل.
ويطالب المزارعون بزيادة أسعار القطن ومنحهم قروض بدون فائدة لاستصلاح وزراعة أراضيهم بالقطن لتأمين مستلزمات الإنتاج، إضافة إلى منحهم مستلزمات الإنتاج وخاصة السماد من المصرف الزراعي على أن يتم خصم قيمته من قيم المحصول المسلّمة، ومنحهم مازوت بالسعر المدعوم وبكميات كافية وهو ما يعتبر مساعدة جزئية لهم.
لكل محافظة صنف مخصص لها:
وبالعودة إلى واقع المحصول يوضح مدير مكتب القطن أن المحصول جيد ولم يصب بأمراض أو حشرات ونسبة الإصابة طفيفة دون العتبة الاقتصادية، كما تحتل دير الزور أعلى نسبة زراعة بمساحة 6 آلاف هكتار، مشيراً إلى أن لكل محافظة صنف مخصص لها بحسب الظروف المناخية والتربة، كما تم اعتماد صنف جديد أطلق عليه اسم (قطن 1) مخصص للزراعة في محافظتي حلب وحماة وهو قطن طويل التيلة ويتميز بغزارة الإنتاج ومقاومته للأمراض والآفات وسيتم زراعته خلال الموسمين القادمين.
إيقاف زراعة القطن في ريف دمشق:
وكشف العلي أنه تم إلغاء زراعة القطن في ريف دمشق للموسم القادم 2025 بسبب وجود ري على مياه غير معالجة حيث ثبت بالتحاليل المخبرية أن البذور تحوي على عناصر ثقيلة تضر بصحة الإنسان، مبيّناً أن الكميات التي سيتم قطافها من ريف دمشق سيتم عزلها ولن تستخدم بذورها للاستهلاك البشري.
وفيما يتعلق بشلول القطن أشار العلي إلى أنه تم تقدير حاجة القطن للشلول ومراسلة وزارة الصناعة لرصد العدد المطلوب وتوفيره ضمن المصارف الزراعية تمهيداً لتسليمها للمزارعين بسعر مدعوم، مضيفاً بأنه تم العمل على تقديم كافة التسهيلات عن طريق الوحدات الإرشادية لقطع شهادات المنشأ وتسهيل توريد القطن للمحالج أو مراكز التجميع.
6 محالج عاملة في سوريا:
من جانبه، أوضح المدير العام لمؤسسة حلج وتسويق الأقطان، محمود الهادي لـ”أثر”، أن عدد المحالج العاملة في سوريا تراجع إلى 6 فقط من أصل 16 بسبب الحرب، هي محلج تشرين في حلب وهو جاهز بصالتين، محالج (العاصي، الفداء، السلمية، محردة) في محافظة حماة، ومحلج الوليد في محافظة حمص، إضافة إلى وجود مراكز استلام في دير الزور، ومركز استلام في ريف الرقة المحرر، ومركز استلام في دمشق
ويؤكد الهادي ان المؤسسة اتخذت كل الإجراءات اللازمة لتسويق المحصول هذا الموسم، مضيفاً أن الاحتياج الفعلي للصناعات يبلغ نحو 250 ألف طن من الأقطان المحبوبة، التي يُنتج منها حوالي 88 ألف طن من القطن المحلوج، تلبي احتياجات السوق من الأقطان المحلوجة والغزول والأقمشة المنسوجة، إضافة إلى الوصول للتشغيل الاقتصادي لكل خطوط الإنتاج العاملة التي ستتم إعادة تأهيلها بموجب إحداث الشركة العامة للصناعات النسيجية.
وأشار الهادي إلى أن نسبة الأقطان المحلوجة الناتجة نحو 35 % من الأقطان المحبوبة المستلمة، ونسبة البذور الناتجة نحو 57 % من الأقطان المحبوبة المستلمة، موضحاً أنه يتم بيع كل إنتاج المؤسسة من الأقطان المحلوجة إلى شركات الغزل العامة بموجب مخصصات تحددها المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، أما بالنسبة للبذور الصناعية فيتم بيعها بموجب مخصصات تحددها وزارة الصناعة للمؤسسة العامة للصناعات الغذائية ممثلة بشركة زيوت حلب وحماة والمؤسسة العامة للسكر ممثلة بشركة سكر حمص.
وفيما يتعلق بتسليم قيم الأقطان أكد الهادي أن المؤسسة لن تتوانى عن تسليم قيم المحصول للمزارعين، مبيّناً أنه تم اتخاذ مجموعة إجراءات بدءاً بمراسلة مجلس الوزراء “اللجنة الاقتصادية” وبالتعاون مع وزارة المالية ومصرف سوريا المركزي ليتم منح المؤسسة سلفة لتسديد القيم للفلاحين عن طريق المصرف الزراعي.
حسن العجيلي – حلب