أثر برس

من “الروزناما” إلى “الفلك”.. حكاية سوريّة

by Athr Press

لم أشترِ روزنامة من تلك التي تُعلق على الحائط منذ خمس سنوات، حيث كان لها مكانها المخصص في منزلي القديم، لكن مروري في منطقة الحلبوني بدمشق، جعلني أحن لشراء واحدة هذا العام، خصصت لها مكاناً على حائطنا الجديد علها تكون بشرى جيدة لعام جديد.

يجلس معظم السوريين أمام شاشات تلفزتهم ليشاهدوا قنواتها الرسمية والخاصة، على أمل أن يجدوا بعض السلوى، لكن غزو العرّافين وقارئات النجوم وحركات الكواكب لشاشات التلفزيونات؛ جعلتنا نمسك ورقة وقلماً ندون أحداث سنتنا بحسب تنبؤاتهم، علّنا نكون مواطنين فاعلين.

عدد كبير من السوريين لم يعد يؤمن بكلام المحللين السياسيين ومن يدعون المعرفة بالوضع السوري، حيث صار السوريون أدرى بسير الأمور على أرض الواقع، بعيداً عن الشعارات والخطابات والمؤتمرات. فتراهم يمرون على أخبار الاجتماعات، المقامة هنا أو هناك على شرف السوريين، مرور الكرام.

تقول دارين (طالبة جامعية): “منذ السنة الماضية بِت أشتري كتاباً لإحدى عالمات الفلك، للاطلاع على أبرز أحداث بُرجي”، مضيفة: “بالنسبة لي لم يعد الأمر للتسلية، بل بات تفصيلاً هاماً من تفاصيل يومي. أنا اشتري الضحكة والأمل برزقة قريبة ستكون من نصيبي، وغالباً ما تكون عبارة عن تحويل مبلغ بسيط جداً من شقيقتي المسافرة، علماً أنها ترسل ذلك بشكل دوري لكنها رزقة. إذا أردتِ الأمانة هذه المتنبئة صارت تعطيني الأمل”.

ناجي، صاحب مكتبة في منطقة المزة بالعاصمة، يقول: “في السنوات الأخيرة أصبح الإقبال أكبر على شراء كتب قارئات الفلك”، متابعاً: “إن شراء مثل هذه الكتب لم يعد حكراً على الفتيات فقط، بل هناك عدد كبير من الشبان يشترون هذه الكتب وخاصة من هم بين الخامسة عشر إلى الثامنة عشر عاماً.

يرتب ناجي كتب الفلك لعام 2018 على بعض رفوف مكتبته، ويضيف: “إن الطلب يكون على كتب لأشخاص سوريين وغير سوريين، ويزداد الطلب في الشهر الأخير من كل عام لمعرفة تنبؤات السنة الجديدة لكل برج”.

يلاحق سعيد برجه عبر إشارة المذياع، وعلى جميع ركاب “السيرفيس” (وسيلة نقل عامة)، الذين يسافرون مع سعيد على متنه ما يقارب الساعة من ريف دمشق إلى البرامكة مركز العاصمة، الاستماع إلى برج سعيد أربع مرات، فهو حافظ لكل دقيقة ستقول المتنبئة فيها برجه على المحطة الأولى، لينتقل برشاقة للمحطة التالية، لتهم المذيعة بالتحدث عن حظوظ برجه. وإذا كانت حظوظه مبشرة، فإن الركاب على موعد مع باقة من أغاني “بهاء اليوسف” (مغني شعبي سوري)، وإذا كانت التنبؤات تقول إن نهارك لن يكون جيداً، سيطفئ المذياع، ويقود بشكل جنوني.

أحمد من الركاب الذين تفرض عليهم ظروف عملهم النزول بشكل يومي مع سعيد في رحلته الصباحية. ويقول: “مع الأسف ازداد عدد من يؤمن بهذه الخرافات، ويتابعها بشكل يومي إلى حد الهوس، حيث طلبت من سعيد في إحدى المرات أن يطفئ الراديو لأني لا أريد الاستماع إلى مذيعة الأبراج، قال لي: هذا السرفيس لي، وأنا أسمع ما أريد، وإذا لم يعجبك الوضع؛ فلك أن تترجّل من السيارة.  يعلم أحمد جيداً صعوبة الحصول على مقعد في وسيلة نقل مثل هذا الوقت من النهار، “من وقتها وأنا أضع سماعاتي في أذنيّ حتى لا أستمع لبرجه اليومي”.

تعتبر سلمى، طالبة علم اجتماع سنة رابعة، أن “الأشخاص الذين يتبعون الأبراج وأخبارها بشكل يومي ويجعلونها جزءً هاماَ من أيامهم، هم أشخاص يبحثون عن أمل يتعلقون به، خاصة أوقات الحروب”. تقول: “في الحروب عادة ما تنتشر الشائعات، ويلجأ الناس المحبطون إلى العرافين، على أمل أن يحددوا لهم وقتاً أو إشارةً لانتهاء الأحداث السيئة التي يعيشونها، أو يعطونهم أملاً بانتهاء الحروب أو الكوارث التي قد تكون حلت بهم”، تضيف: “هنا يأتي دور الجهات المختصة لمحاربة هؤلاء الأشخاص الذين تزدهر أعمالهم في ظل الكوارث”.

تنبأ العديد من علماء الفلك، كما يسمون أنفسهم، في سنة الـ2018 بانتهاء الأزمة السورية وتوقف الحرب وعودة اللاجئين و…. إلخ، ستنتهي السنة الجديدة كسابقتها، وستكون هناك آمالاً جديدة، تتمنى أن تنتهي الحرب بشكل جدي مهما كان من أطلق هذا التنبؤ أو ذاك الأمل.

بقلم: نسرين علا الدين | هنا صوتك

 

اقرأ أيضاً