أثر برس

السبت - 27 أبريل - 2024

Search

كتب زياد غصن.. من البصل إلى الثوم: عندما تغيب البيانات وتكثر خسائر المزارعين!

by Athr Press G

زياد غصن ||أثر برس من أزمة البصل إلى أزمة الثوم مروراً بأزمة البيض هذا ما يحصده السوريون من السياسات الاقتصادية الحكومية، التي تعدهم دوماً بالأفضل لكنها لا تحمل لهم سوى مزيداً من البؤس والحرمان، والمثير للاهتمام في هذه السياسات أنها تصر رغم كل النكبات الاقتصادية والمعيشية التي تسببت بها على معاندة المنطق وتجاهل حقائق العلم وطرائقه.

كلنا يذكر أزمة البصل وحكاية عملية الاستيراد غير المفهومة إلى الآن، والتي ظلت بعيدة عن أي تحقيق حكومي جاد ومسؤول، واليوم تدخل البلاد في أزمة الثوم الذي ارتفع سعر الكيلو الواحد منه إلى حوالي 15 ألف ليرة تبعاً للمصدر والجودة، وحسب ما يشاع ويردد إعلامياً وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، فإن سبب ارتفاع أسعار المادة بهذا الشكل الجنوني يكمن في السماح بتصدير بعض الكميات ولمدة شهرين فقط.

إلى الآن ليس هناك سبب آخر يروج إعلامياً، كما أن الحكومة لم تكلف نفسها بشرح ما يحدث أو على الأقل بيان وجهة نظرها حيال أزمة الثوم، لذلك سنحاول في هذه المقالة السريعة تفكيك بعض طلاسم هذه المسألة، وبيان إن كانت هناك أسباب أخرى لارتفاع سعر مادة الثوم بهذا المستوى غير المسبوق.

وفقاً للبيان الحكومي المتعلق بقرار السماح بتصدير مادة الثوم، فإن الكمية المسموح بتصديرها تصل إلى حوالي 5 آلاف طن ولمدة شهرين فقط، ويفترض وفقاً لمضمون البيان الحكومي أن ينتهي مفعول القرار الشهر القادم، لكن هل هذه الكمية مؤثرة إلى درجة رفع سعر المادة من حوالي 1500 ليرة إلى حوالي 15 ألف ليرة خلال أسابيع قليلة جداً، أي بزيادة تقدر بنسبة 900%؟ أم أن هناك أسباب أخرى لا علاقة لها بتصدير هذه الكمية؟

كي يتاح للقارئ تكوين خلفية وافية عن الموضوع، ومن ثم الإجابة على ما سبق، فإننا نضع بين يديه بعض الحقائق الواجب ذكرها منها ما يلي:

– الإنتاج المحلي من مادة الثوم كان يتراوح وسطياً ما بين 30-35 ألف طن، وهي بنظر المعنيين كافية وتفيض عن حاجة السوق المحلية، وتالياً فإن الكمية المسموح بتصديرها، والتي لم تصدر فعلياً كاملة بحسب المعلومات، تشكل ما نسبته 15% من وسطي الإنتاج المحلي.

– لنعد إلى العام الماضي، حيث شهد وضع مادة الثوم استقراراً نسبياً لجهة الكميات المتوفرة والأسعار المعلنة، هذا الوقت الذي تؤكد فيه البيانات الرسمية التي حصل عليها موقع “أثر” تصدير ما يقرب من 3400 طن من الثوم الجاف أي بفارق قدره 1600 طن مقارنة بالكميات المسموح بتصديرها هذا العام، فهل زيادة الصادرات بهذا الحجم تسببت فعلاً برفع الأسعار؟ أم أن الأمر متعلق بعمليات احتكار وتخزين من قبل تجار المادة؟ أم أن السبب يكمن في التكاليف المرتفعة وما لحق بالمزارعين من خسائر أدت إلى تراجع الإنتاج هذا العام؟

وحتى مادة البصل التي صدر منها العام الماضي حوالي 118 طن، فإن أسعارها كانت منصفة ولم تتحول إلى أزمة إلا في هذا العام!

– تظهر بيانات رسمية غير منشورة أن صادرات البلاد من بعض السلع الزراعية كانت بكميات كبيرة، ومع ذلك فإن أسعار تلك السلع في الأسواق المحلية بقيت مقبولة ومنصفة نوعاً ماـ فمثلاً في العام الماضي صدرت البلاد حوالي 143 ألف طن من البندورة، 33.9 ألف طن بطاطا، 92 ألف طن حمضيات، 65 ألف طن تفاح، وغير ذلكـ فهل حلقت أسعار هذه السلع كما حدث مع الثوم؟

– ارتفاع سعر مادة الثوم في الأسواق المحلية خلال الأسابيع القليلة الماضية وبشكل غير معتاد يعاكس المبررات التي تساق عادة، إذ أن الفترة الأولى لنزول المادة إلى الأسواق تميزت بأسعارها المتدنية جداً، ثم ما لبثت أن أخذت بالارتفاع تدريجياً حتى وصلت إلى ما وصلت إليه حالياً.. فما الذي حدث؟

بحسب ما يذكر الخبير الزراعي أكرم عفيف لـ”أثر” فإن “السبب الأساسي يكمن في “تدني الكميات المنتجة من المادة جراء عزوف المزارعين عن زراعة الثوم هذا العام، إثر الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم في العام الماضي، وقد حذرنا آنذاك من مثل هذا السيناريو، وقلنا بوضوح إن سعر الكيلو في العام التالي سوف يصل إلى 20 ألف ليرة، لكن لم يتحرك أحد”.

وأضاف أنه “مع بداية الموسم الحالي كان سعر الكيلو غرم الواحد بحدود 250 ليرة في حين أن كلفة القلع والتجدليل والنقل تصل إلى ألف ليرة، ما دفع بالكثير من المزارعين إلى فلاحة المحصول مع التربة كي لا يتكبدوا مزيداً من الخسائر، في حين كان يمكن للمؤسسة السورية للتجارة أن تتدخل وتشتري هذه المحاصيل من المزارعين أنفسهم وبأسعار معقولة، وهو ما كان يمكن أن يحدث توازناً مقبولاً في السوق المحلية، لكن للأسف غياب قاعدة البيانات الدقيقة والموضوعية عن صانع القرار الاقتصادي تؤدي إلى مثل هذه النتائج”، والخشية في العام القادم أن يتكرر السيناريو نفسه مع مادة البطاطا التي تباع بأسعار قد تكون مناسبة للمستهلك لكنها مجحفة جداً للمزارع.

كما في كل أزمة، تهرب المؤسسات الحكومية المعنية إلى إطلاق مجموعة من المبررات والعوامل غير الموضوعية، متجاهلة ضرورة دراسة أسباب وظروف كل أزمة، وسبل مواجهتها ومنع تكرارها، لكن ما دام المستهلك الفقير والمعدوم هو من “يأكل العصي ويتألم” فإن الحكومة بمؤسساتها وجهاتها العامة وغير الرسمية ستكتفي بمجرد العد.

وعلى ذلك، فنحن أمام خيارين في تفسير كل هذه الأزمات التي تحدث: إما أن بيانات الحكومة الخاصة بالإنتاج والاستهلاك والتصدير غير دقيقة وتتسبب بحدوث انحرافات شديدة للسياسات والقرارات الحكومية، أو أن شبكة الحلقات التجارية المتحكمة بانسياب السلع والمنتجات باتت على درجة شديدة من السيطرة والاستغلال والاحتكار، فكيف إذا كان الخياران حاضرين في وقت واحد؟

اقرأ أيضاً