أثر برس

الخميس - 28 مارس - 2024

Search

كتب زياد غصن.. بالورقة والقلم: سوريون كثر لا يحصلون حتى على الحد الأدنى من الغذاء!

by Athr Press B

زياد غصن ـ خاص|| أثر

إلى الآن، لايزال هناك (رسمياً) من يحاول التشكيك أو إخفاء أو إنكار حقيقة اقتراب شريحة من السوريين من حافة الجوع. وهذا يحدث رغم ما خلص إليه مسح الأمن الغذائي، الذي جرى بنهاية العام 2020، من نتائج صادمة، كان من أبرزها: تكرار واقعة عدم وجود غذاء لدى نسبة من الأسر لمرة واحدة أو مرتين بالشهر، تكرر بقاء أحد أفراد بعض الأسر من دون طعام لمدة يوم واحد وأكثر خلال الشهر الواحد، وغير ذلك.

وباستثناء هذا المسح، فليس هناك أي بيانات رسمية منتجة خلال السنوات الأخيرة بشكل علمي ومنهجي ترصد تطورات استهلاك الأسرة السورية، وحجم إنفاقها على السلع الغذائية وغير الغذائية، وقد يكون غياب مثل هذه البيانات مقصوداً لدعم حالة التشكيك المشار إليها. لذلك لا مناص من العودة إلى بعض البيانات القديمة للبناء عليها في محاولة تسليط الضوء على حقيقة الأوضاع المعيشية والاقتصادية، التي يعيشها اليوم كثير من السوريين.

هذه المرة، سنركز في “أثر برس” على كمية السلع الغذائية المتاحة حالياً، ومتوسط نصيب الفرد منها، ثم نحاول مقاربة ذلك استناداً إلى الفجوة الهائلة المتشكلة بين الدخل، ومتوسط الإنفاق المطلوب لتلبية الفرد لاحتياجاته الأساسية.

 

حتى البيض… بعيد المنال!

 

وفق المتعارف عليه علمياً، فإن الفرد في سوريا بحاجة يومياً إلى وجبات غذائية توفر له ما متوسطه 2400 من السعرات الحريرية، وحسب دراسة للدكتور فهد الخطيب قدمت في مؤتمر الاعتماد على الذات المنعقد عام 1987، فإن الوجبة الغذائية اليومية المطلوبة للفرد كي يحصل منها على السعرات الحرارية المطلوبة يجب أن تتكون من المواد التالية:

 

إذا اعتبرنا أن المخصصات اليومية للفرد من مادة الخبز المدعوم، والمحددة من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، كافية وتوفر السعرات الحرارية المحددة، فهل ما تنتجه البلاد وتستورده من باقي السلع الغذائية يبدو كافياً من حيث الكمية لتلبية احتياجات جميع السكان نظرياً بغض النظر عن دخولهم، وقدرتهم على الحصول على نصيبهم من تلك السلع؟

ليست هناك بيانات رسمية تتعلق بكميات السلع الغذائية المتاحة للاستهلاك المحلي ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، لا بل إن جميع البيانات الأخرى المتاحة مشكوك بصحتها وبطريقة إعدادها وإنتاجها، لاسيما تلك الخاصة بالمحافظات والمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، ومع ذلك فإن بعضها يشير بوضوح إلى وجود عجز مقارنة باحتياجات السكان، وبعضها الآخر يظهر أن متوسط نصيب الفرد ضمن حدود مقبولة، لكن عند مقاربته مع دخول الأفراد يصبح دليلاً على أن هناك فعلاً من لا يستطيع أن يحصل على نصيبه النظري.

بحسب آخر بيانات صادرة عن وزارة الزراعة، وهي لعام 2020، فإن إنتاج البلاد من مادة بيض المائدة المتاح للاستهلاك وصل إلى حوالي 2.137 مليار بيضة، وعلى اعتبار أن التقديرات الإحصائية والبحثية تشير إلى أن عدد سكان البلاد يصل إلى حوالي 20 مليون نسمة، فهذا يعني أن حصة كل سوري من بيض المائدة المنتج محلياً يصل إلى حوالي 107 بيضة سنوياً، وتالياً فإن هناك 258 يوماً في السنة لا يتمكن فيها السوري من تناول البيض. وبحسبة أخرى سنجد أن هناك حوالي 5.8 ملايين سوري يمكنهم تناول بيضة واحدة يومياً لمدة سنة كاملة، لكن هذا سيكون على حساب 14.2 مليون سوري لن يتمكنوا من تناول بيضة واحدة على الأقل سنوياً. لا بل إن من سيحصلون على بيضة يومية هم أقل من عدد أطفال سوريا ممن أعمارهم أقل من 15 عاماً، والمقدر عددهم بحوالي 7.3 ملايين طفل، أي أن هناك 1.5 مليون طفل لن يحصلوا على بيضة يومياً، والتي هي أبسط مصدر للبروتين!

تتعمق أكثر خطورة هذه الاستنتاجات الحسابية البسيطة مع إخراج كميات البيض المستخدمة في صناعة الحلويات وبعض السلع الغذائية الأخرى، ومع ما يجري تهريبه إلى بعض دول الجوار، وكذلك مع تراجع الإنتاج جراء ارتفاع التكاليف وعدم توفرها أحياناً. وهنا نشير إلى أن المدير العام السابق لمؤسسة الدواجن المهندس سراج خضر قدر في حديث سابق مع أثر إنتاج بيض المادة في السوق المحلية بين 700 مليون إلى مليار بيضة سنوياً، وهو ما يعني أن من بإمكانهم تناول بيضة يومياً طيلة السنة لا يتجاوز عددهم أكثر من 2.7 مليون سوري.

 

قال… جبن ولحوم!

 

لا يختلف الحال كثيراً مع إنتاج البلاد من مادة الجبن، فالبيانات الإحصائية لوزارة الزراعة تبين إن إنتاج المادة وصل في العام 2020 إلى حوالي 112 ألف طن من الجبن المنتج من مختلف أنواع الحليب. وعليه فإن متوسط حصة كل مواطن سنوياً لا يتعدى 5.6 كيلو غرام أو 15.3 غرام يومياً، أي أقل بحوالي 10 غرام من الكمية المطلوب تناولها يومياً، والتي في حال تطبيقها فإن هناك حوالي 7.8 ملايين شخص لن يكونوا قادرين على تناول 25 غرام من الجبن، ولو لمرة واحدة طيلة سنة كاملة، فكيف إذا كان هناك من يحصل على أضعاف حاجته اليومية بحكم قدرته الشرائية المرتفعة من ناحية، وارتفاع أسعار المادة إلى مستوى يعجز أصحاب العديد من الدخول عن تحمله من ناحية أخرى. وحتى  مادة اللبن التي كانت تمثل جزءاً يومياً من غذاء أي أسرة سورية، فإن مقاربة البيانات المتوفرة يظهر أن متوسط حصة الفرد لا تتجاوز نظرياً 64 غرام يومياً، وعملياً فإن هناك سوريين كثر غير قادرين على تناول هذه المادة يومياً بحكم دخولهم المتدنية وأسعار المادة المرتفعة.

بناء على تقديرات الدكتور الخطيب المذكورة سابقاً، فإن استهلاك السوريين من مختلف أنواع اللحوم يفترض أن يبلغ سنوياً حوالي 547.5 ألف طن، لكن عملياً البيانات الرسمية تتحدث عن أن إنتاج البلاد من اللحوم سنوياً لا يتجاوز 350 ألف طن (حمراء ودجاج)، وهو ما يعني أن هذا الإنتاج لا يكفي سوى لسد احتياجات 12.7 مليون سوري على أساس 75 غرام يومياً لكل شخص، في حين أن 7.2 ملايين سوري لن يكونوا قادرين على تناول أي كمية حتى لو كانت 75 غرام، ولمرة واحدة في السنة. عملياً فإن عدد السوريين القادرين على تناول اللحوم سنوياً، وبمعدل يومي هو أقل بكثير بالنظر إلى التراجع الهائل في مؤشر الدخل والقدرة الشرائية لشريحة واسعة من الأسر السورية، وتعاظم وتهافت الإنفاق الاستهلاكي لشريحة من الأسر استفادت من ظروف الأزمة لتعظيم ثرواتها وممتلكاتها!

 

والمستورد أقل!

 

في قائمة مستوردات البلاد من السلع الغذائية الرئيسية يأتي الأرز والسكر، ووفقاً لمكونات الوجبة الغذائية اليومية الضرورية، فإن الفرد بحاجة إلى استهلاك 70 غرام يومياً من مادة الأرز للحصول على 280 حريرة، وتالياً يفترض أن يكون استهلاك البلاد من المادة سنوياً لا يقل عن 511 ألف طن، لكن بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لعام 2019 تظهر أن كميات الأرز المستوردة بلغت حوالي 106.8 آلاف طن، وليكون بذلك متوسط حصة الفرد حوالي 18 غرام يومياً على اعتبار أن الكمية المستوردة خاصة بالسوريين المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، والمقدر عددهم بحوالي 16 مليون نسمة استناداً لبيانات المسح الديمغرافي، الذي أجراه المكتب المركزي للإحصاء في العام 2017-2018. وبذلك فإن الكمية المستوردة تكفي لتغطية احتياجات يومية لحوالي 4.182 ملايين شخص على أساس 70 غرام لكل شخص، وتالياً فإن حوالي 12 مليون شخص سيكونون خارج عملية الاستهلاك اليومي من مادة الأرز.

وكي نكون موضوعيين، فإن تقديرات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حول حجم الاحتياجات المتوقعة لعام 2022 تكشف أن هناك حاجة لتوفير حوالي 436 ألف طن من مادة الأرز، وهي كمية تكفي لتأمين احتياجات 16 مليون شخص بمقدار 74.6 غرام يومياً لكل شخص، إنما عملياً هذا لا يتحقق لأسباب متعلقة بصعوبات الاستيراد المعروفة، وعوائق الاستهلاك المتمثلة في الدخول المتدنية وغير ذلك.

السكر هي المادة الغذائية الثانية المستوردة، والتي ورد لها ذكر في مكونات الوجبة الغذائية اليومية الضرورية، حيث تكشف بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لعام 2019 أن كميات السكر المكرر المستوردة بلغت حوالي 367.9 ألف طن. وهي كمية تكفي حوالي 10 ملايين مواطن إذا تناول كل منهم ما مقداره 100 غرام يوميا ولمدة سنة كاملة، وبذلك يبقى حوالي 6 ملايين مواطن بلا سكر طيلة السنة. أما إذا أردنا توزيع الكمية المستوردة على 16 ملايين مواطن فإن كل منهم سيكون قادراً وسطياً على تناول 63 غرام. وهي حصة ترتفع إلى حوالي 93 غرام تقريباً تبعاً لتقديرات وزارة التجارة الداخلية لاحتياجات البلاد من المادة للعام الحالي، إنما هل سيتم فعلاً استيراد 545 ألف طن من السكر وطرحها للاستهلاك؟ وهل جميع الأسر قادرة على شراء المادة؟

 

سوء تغذية!

 

في هذه المقالة لا نقول إن هناك سوريين لا يأكلون نهائياً هذه المادة أو تلك، إنما مقاربة البيانات الإحصائية  تظهر بوضوح أن حصول شرائح واسعة من السوريين على السعرات الحرارية اليومية أضحى في الظروف الاقتصادية والمعيشية الحالية أمر مشكوك فيه، وإذا حدث، فذلك يتم من خلال قيام العديد من الأسر بعمليات استبدال للسلع الغذائية بأخرى، فتزيد من تناولها للخبز على حساب المكونات الأخرى و تستعين بالشاي لتعويضها عن الفواكه واللحوم وهكذا. والنتيجة في النهاية أنه لدينا أجيالاً تعاني من سوء تغذية, وربما لولا السلل الغذائية الإغاثية الموزعة أممياً، والتي يحصل عليها أقل من نصف الأسر السورية بقليل، لكانت هناك مشكلة غذائية واضحة المعالم. وتأكيداً على ذلك تخلص نتائج مسح الأمن الغذائي لعام 2020 إلى أن الأسر الفقيرة الاستهلاك الغذائي تتناول الألبان ومشتقاتها بمعدل 1.4 في الأسبوع، اللحوم والبيض 1.3 في الأسبوع، والفواكه 0.9 في الأسبوع.

اقرأ أيضاً