أثر برس

السبت - 20 أبريل - 2024

Search

بائع الكتب .. صاحب الـ14 عاماً يختصر تسع سنوات مرّت على سورية

by Athr Press Z

خاص أثر برس|| تبعات كثيرة نتجت عن الحرب على سورية خلال السنوات التسع الأخيرة، فهذه الحرب خلّفت الكثير من المآسي  لدى السوريين، ومحوها من الذاكرة لن يكون بالأمر السهل، فتسببت بالكثير من الخيبات وغيّرت مسار حياة معظمهم، “وما إن بدأت نهاية الحرب جاءت جائحة فيروس كورونا لتعرقل من جديد مسار حياتنا” هذا لسان حال معظم السوريين، فكل فرد سوري على حدى يحمل جزء من تبعات هذه الحرب، والبعض يحمل الكثير من هذه التبعات ليختصر بمفرده السنوات التسع بأكملها.

رياض طفل لم يتجاوز الـ14 عاماً، استطاع أن يختصر نتاج تسع سنوات من الحرب بمفرده، فعندما تجده جالساً عند الساعة التاسعة مساء أمام بسطة كتب في منطقة محيطة بالجامع الأموي في دمشق، وتعتبر من المناطق التي تعكس التراث والتاريخ الدمشقي إضافة إلى أنها كانت تعج بالسياح قبل 10 سنوات، وهو واضعاً رأسه بين ركبتيه أمام بسطته التي يبيع عليها بضع كتب، تجد صورة متكاملة العناصر لما جرى على سورية خلال السنوات الأخيرة وبعض النتائج التي تولدت عن هذه الحرب.

رياض صاحب الـ14 عاماً في تلك اللحظة كان لديه هم واحد فقط وهو بيع الكتب، فطرحت عليه بعض الأسئلة التي يمكن أن يعتبرها متطفلة، والتي بدأتها:

– كم سعر الكتاب؟ “أد ما بيطلع من خاطرك”، ثم سألته ما الكتاب الذي تنصحني بقراءته؟ فنصحني بكتاب يتحدث عن العلاج النفسي مؤكداً أنه سبق أن قرأه، وبعدها سألته من أين تجلب هذه الكتب؟ فقال: “بسجل دورات بالجامع وبقلهن أنا ما بقرأ لأنو ما عندي كتب فبيعطوني ياها لأقرأها، بس أنا مو بحاجة قراءة كتب أنا بحاجة مصاري لهيك ببيعهن”.

بعد هذه الأسئلة تعمقت في الحديث مع رياض أكثر، فسألته من أين أنت، ليقول أنه مهجّر من دير الزور، وعند سؤالي عن ذكرياته في تلك المحافظة التي كان تنظيم “داعش” يسيطر عليها قال: “كلو قتل وذبح بالشارع وما قدرت كفي دراستي، طلعنا أنا وأهلي وجينا عالشام”.

وعندما لاحظت أن رياض لايرتدي كمامة رغم وجوده في مكان عام، خطر لي أن أسأله عن معلوماته حول جائحة كورونا ، ليقول: “لا والله ما بعرف عنو شي، عرفت أنو في مرض اسمو كورونا بس ما بعرف شي عنو”.

وخلال الحديث مع رياض بدأت المحال التجارية في تلك المنطقة إغلاق أبوابها والطرقات باتت شبه فارغة، فسألته عن سبب جلوسه حتى تلك اللحظة، لكن الإجابة كانت: “ما بقدر ارجع عالبيت لأنو أمي بتضربني لأني راجع ما معي مصاري، لأنو إذا ما بجيب مصاري ما مناكل، هلا بروح على سوق الهال (سوق لبيع الخضراوات والفواكه) وبلملم خضرة وببيعها” وعندما سألته لماذا لم يعمل براتب ثابت عند أحد المحال، أكد أنه الراتب الذي يمكن أن يتقاضاه عند أي محل لا يمكن أن يكفيه وأمه وأخواته قوت يومهم.

رياض الذي رفض أن ألتقط له أي صورة، هو طفل سوري مأساته تجمع بين عدة تبعات مثل عمالة الأطفال وتأثيرات الحرب السورية إلى جانب عدم إدراكه لخطر جائحة كورونا، لأن ظروفه لم تسمح له بمتابعة أخبار هذا الخطر وسبل الوقاية منه، ولأن همه أكبر بكثير من شراء كمامة للوقاية من فيروس كورونا.

في المحصلة رياض سيصبح شاب غير متعلم ولا يوجد بيده أي مهنة، ويحمل ذاكرة مليئة بالمشاهد القاسية، لكن التاريخ أعطى كثيراً من الأمثلة عن أشخاص تمكن القدر من تغيير مسار حياتهم، وبهذا يكون القدر وحدوث معجزة هي الأمل الوحيد لرياض وأمثاله، ولا يمكننا في هذه الظروف أن ننسى أن الفرص دوماً تولد من رحم المآساة.

زهراء سرحان

أثر برس

اقرأ أيضاً