أثر برس

الخميس - 2 مايو - 2024

Search

ثلاثة سيناريوهات تحكم مستقبل الانتفاضة التي فجرها “الأمير الغائب” في دير الزور

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس تشكّل المعارك العسكرية التي بدأت في محافظة دير الزور بتاريخ 27 آب 2023 بين قوات العشائر العربية، و”قوات سوريا الديمقراطية- قسد” تهديداً يُعد من أخطر وأكبر التهديدات التي مرّت بها ما تسمى “الإدارة الذاتية” الكردية منذ أن إعلانها تأسيس جناحها العسكري عام 2015.

وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير، ما تزال عمليات الاقتتال بين الطرفين المتحاربين، مستمرة ومتصاعدة؛ فتارة تعود قوات “قسد” إلى دخول مناطق سيطرة العشائر العربية، وتارة أخرى تخرج منها بعد هجوم قوات الأخيرة عليها.

هذا المشهد إلى الآن ما يزال قائماً؛ وموقف القوى الكبرى الفاعلة في تلك المنطقة ما يزال غامضاً الأمر الذي زاد من تشويش المشهد.

لهذا السبب تمرّد (الأمير «أبو خولة») على “قسد”

تعود خلفيّة الاشتباكات التي تجري بين قوات العشائر العربية وقوات “قسد” الكردية في دير الزور، إلى توترات مسبقة حصلت بين قوات “مجلس دير الزور العسكري” بقيادة المدعو أحمد الخبيل (أبو خولة) منذ تأسيسه عام 2016 من جهة، وقوات أخرى من الجسم العسكري لـ “الإدارة الذاتية”. وسبب تلك التوترات هو اتهام الأخيرة “أبو خولة” وقيادات أخرى في “المجلس العسكري” بتسهيل عمليات التهريب وحركة مرور بين مناطق سيطرة قوات “قسد” (شرق نهر الفرات) وقوات سيطرة الجيش السوري (غرب نهر الفرات)، بحسب ما ذكره موقع “المدن” المعارض.

إضافة إلى هذه الاتهامات، تمتع “أبو خولة” بسمعة سيئة بين أبناء العشائر العربية، وحاول الصعود بقوّة سلاحه لاعتلاء القبيلة التي ينتمي إليها، بحسب ما تحدث به سكان محليون لـ “أثر”.

الحالة التي وصل إليها “أبو خولة” من اتهامات وسمعة سيئة؛ أدت إلى توسيع دائرة الخلاف بينه وبين قادة “قسد” الكردية، ما دفع الأخيرة إلى محاولة تحجيمه وتضييق دوره في المحافظة التي يرى نفسه أنه أصبح “أميراً” فيها، خاصة وأنّ أبو خولة بحسب ما روت المصادر المحلية، “نصب نفسه أميراً على عشيرة “البكير” وهي واحدة من عشائر “العكيدات” التي تعود مشيختها لـ”آل الهفل”.

اعتقال “أبو خولة” فجّر انتفاضة وخلق فوضى

بتاريخ 27 آب الفائت، تم اعتقال “أبو خولة” بعد استدراجه إلى استراحة “عين الوزير” في الحسكة بذريعة حضور اجتماع في القاعدة الأمريكية بمنطقة “اللايف ستون” غربي الحسكة.

بعد يوم من اعتقال “أبو خولة”، اندلعت الشرارة الأولى للمواجهات العسكرية، وتولّدت انتفاضة عشائرية انضم إليها آلاف المقاتلين من العشائر العربية نتج عنها سيطرة قوات العشائر على ضفة نهر الفرات الشرقية من (الباغوز مروراً بالشعفة حتى الشحيل)، وأمست بعض مدن وبلدات هذه الضفّة كـ(ذيبان، والحوائج، والشحيل) على طول خط تبلغ مسافته 80 كم، مناطق اشتباكات.

ما جرى إلى الآن، بحسب الخبراء، هو أقرب إلى حالة الفوضى الخلاقة التي تسعى واشنطن دائماً إلى تكريسها في المناطق التي تريد إعادة تشكيلها وفق غاياتها ومخططاتها. ويقول في هذا السياق، المحلل السياسي مهند الحاج علي، في حديث لــ”أثر”: “ما يجري يرتبط بالإرادة الأمريكية الهادفة إلى خلق فوضى على الضفة الشرقية لنهر الفرات، لتحويل المنطقة الممتدة من مدينة دير الزور حتى البوكمال إلى منطقة عمليات غير مستقرة.

وبذلك تكون واشنطن، بحسب قول “الحاج علي”، استطاعت، قطع الطريق بين سوريا والعراق عند معبر القائم، وإطباق الحصار الاقتصادي على سوريا ومنع حصول أي صفقات تجارية بين البلدين وكذلك منع وصول أي إمدادات لمحور المقاومة من هناك خاصة بعد التهديدات الأخيرة ضدها من قادة المحور.

في سياق متصل، رأى الصحافي والمحلل السياسي جانبلات شكاي، أنّ ما يجري في دير الزور يأتي في ظل “مواقف تكاد تكون متناقضة من جميع الأطراف الفاعلة في المسألة السورية وتحديداً من المتورطين في المعارك الحالية أو الذين يقفون خلفهم”، وأضاف شكاي بحسب مقال تحليلي نشره موقع رصد للدراسات الاستراتيجية، “لا يصح توصيف ما يحدث حالياً في شرقي سوريا إلا بوصفه مثالاً تطبيقاً لما يسمى بسياسة (الفوضى الخلاقة)”، بحيث يأمل، وفق شكاي، “كل من يظن أنه يقف وراء حالة الفوضى الحالية في شرقي سوريا، أو يساهم في خلق هذه الفوضى، أنه سيقطف ثمارها وفق مصالحه، بعد أن تهدأ الأمور”.

وفي الوقت الذي يرى فيه الحاج علي، أنّ واشنطن هي اللاعب الأساسي في الفوضى، نجد أنّ شكاي لم يكتف بالدور الأمريكي فقط، وإنما ربط فكرة تعزيز الفوضى باللاعبين الآخرين في المنطقة. إذ يعلق شكاي على هدف واشنطن من مصطلح الفوضى الخلّاقة قبل عقود بالقول: “اللعبة الأمريكية حينها كانت تدور عن فوضى تضرب معظم دول المنطقة بهدف إعادة تشكيلها وفق مصالحها (..)، واليوم تركز (واشنطن) على استخدام هذا الأسلوب حتى في تفصيل داخل دولة واحدة”.

وأردف: “الفارق أن الطرف الآخر المستهدف (في إشارة إلى دمشق وحلفائها) بات ربما يستخدم الوسيلة نفسها لقلب الطاولة على المشروع الأمريكي، ووفق سياسة أساسها المبادرة، وإن كان الأمر ما زال غامضاً، في تطور لافت بعد أن ظلت سياستها تكاد تنحصر على ردود الفعل من دون المبادرة بالفعل”.

السيناريوهات المحتملة لمآل المعارك

على الرغم من ضبابية الموقف، وصعوبة تقدير المشهد بدقة؛ لكن ثمّة مؤشرات هناك ربما يمكن أن تساعد على وضع تصورات أولية لمآل المعارك الدائرة في دير الزور حالياً.

السيناريو الأول- التدخل العسكري وإيقاف الاقتتال

وأساس هذا السيناريو هو عجز الأطراف المتحاربة في الميدان حالياً، عن حسم القتال في صالح أي منهم. وبالتالي هذا سيؤدي إلى استمرار الفوضى وحالة اللااستقرار سيدفع قوات “التحالف الدولي” وواشنطن، بعد استنزاف أطراف القتال، إلى التدخل وفرض التهدئة وامتصاص الغضب الشعبي بالتفاوض مع ممثلي عشائر دير الزور و”المجلس العسكري”. وفق ما بينته ورقة بحثية أصدرها مركز “جسور” للدراسات المعارض والذي يتخذ من تركيا مقراً له.

وفي السياق نفسه، يظن الحاج في تصريح لـ “أثر”، أن حالة الفوضى التي قد تحصل نتيجة عدم حسم النزاع، ستكون مبرراً للتدخل الأمريكي في هذه الحالة، خاصة بعد دعمها الفوضى الحاصلة في مناطق عدة سواء في شمالي البلاد أم في جنوبه؛ وبالتالي ستدخل واشنطن لتعزيز وجود قواتها، واحتواء الموقف مؤقتاً. لافتاً إلى أنّ احتمالية حصول هذا يؤكّده التعزيزات العسكرية التي استقدمتها واشنطن إلى المنطقة، خاصة الفرقة الجبلية العاشرة، وحاملة الطائرات وغواصة نووية أمريكية موجودة في مضيق هرمز.

وبالتالي، وفق قول الحاج، هذا التدخل، سيضمن لواشنطن، بقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه إلى أن تنتهي من الانتخابات المقبلة، بوصف أن واشنطن لديها مدة زمنية قصيرة لتعزيز وجودها العسكري تعزيزاً مستقراً في المنطقة، تفادياً لأي تنسيق لغرفة عمليات المقاومة لتوجيه هجمات عسكرية على قواعدها ما سيجبرها على الخروج قبل الانتخابات. وبحسب هذا السيناريو تكون المعالجة للانتفاضة العشائرية مؤقتة ريثما يتم إيجاد لها صيغة نهائية تخدم الولايات المتحدة وحلفائها.

السيناريو الثاني- تشكيل قوّة جديد بقيادة عربية

ينطلق أساس هذا السيناريو من تجاذب المصالح بين القوى الفاعلة في الملف السوري عموماً، وخاصة واشنطن وأنقرة، فالأخيرة لديها تحفّظ على وجود القوات الكردية المسلحة عند حدودها الجنوبية مع سوريا، وتعدها خطراً لا بد من إنهائه. وفي هذا الإطار، يرى الحاج علي، أنّ مسعى “واشنطن هو مواجهة القيادات العسكرية الكردية بتصعيد دور العشائر العربية الموالية لها في المنطقة استرضاءً لأنقرة”.

وفي هذا السياق، يشير الحاج إلى وجود تنسيق “أمريكي- تركي” لاستبدال قيادات عربية موالية لواشنطن بقيادات كردية للتغلب على الصعوبات التي تواجه مشروعها الذي تسعى إلى تنفيذه في المنطقة وهو توحيد مسلحي “جبهة النصرة” ومسلحي “الحزب الإسلامي التركستاني” ومسلحي “الجيش الوطني” في إدلب مع قوات “قسد” المنتظر ولادتها بقيادة عشائرية عربية.

وبهذا “تكون واشنطن تغلبت على أخطر التحديات التي كانت تعيق مشروعها آنف الذكر، وهو الفكر الإيديولوجي لقيادات “قسد” الحالية والتي تختلف تماماً عن قيادات التنظيمات المسلحة المذكورة آنفاً لأن واشنطن برأي الحاج، “تدرك صعوبة تنفيذ مشروعها في ظل وجود إيديولوجيات متناقضة، فما تتبناه قوات “قسد” اليوم يختلف تماماً مع الفكر الإيديولوجي للتنظيمات المسلحة التي ترعاها أنقرة.

وفي حال فشلت المساعي الأمريكية في تغيير قيادات قوات “قسد” قد تتجه واشنطن إلى تشكيل كانتون جديد بقوة عسكرية عشائرية عربية في دير الزور، وبالتالي تستثمر واشنطن في هذه القوّة لاحقاً على الحدود السورية- العراقية لتكريس حالة لا استقرار وفوضى. وهنا علق الحاج بالقول: “ما يجري يشير إلى أنّ هناك مخططاً لاستبدال قيادات عربية بقيادات قسد الكردية، أو تأسيس كانتون عسكري موازٍ للكانتون الكردي بقيادة عربية عشائرية من حيث القوة والشدة وتعزيز مناطق انتشاره إلى معبر القائم”، مدللاً على ذلك بالقول: “إلى الآن العشائر التي تقاتل قسد لم تدلِ بأي موقف من الدولة السورية، وإلى الآن لم تقترب عملياتهم العسكرية باتجاه حقول العمر النفطي وحقل كونيكو القريبين من مناطق سيطرتها”.

وفي السياق نفسه، قال شيخ قبيلة “العكيدات”، إبراهيم خليل الهفل في حديث لموقع “العربي الجديد” المعارض، “إن تحرك العشائر في ريف محافظة دير الزور لم يكن من أجل قائد مجلس دير الزور العسكري، وإنما لاستعادة حقوق أهالي المحافظة التي سلبتها (قسد)، مؤكداً أن “هذا الحراك يعد انتفاضة عشائرية لاستعادة الحقوق المشروعة والمسلوبة”.

السيناريو الثالث- انتصار العشائر العربية

يعتمد هذا السيناريو على مدى قدرة قوات العشائر العربية على الصمود في المعركة في حال لم تتدخل قوات “التحالف الدولي” فعلياً إلى جانب قوات “قسد”، ومدى قدرة العشائر التي تقيم في مناطق سيطرة الدولة السورية على دعم الانتفاضة العشائرية شرق ضفة نهر الفرات. إضافة إلى ذلك، يسهم وصول العشائر إلى هدف جامع لمحاربة أكراد جبال قنديل، خاصة بعد اتهام “قسد” للمقاتلين من العشائر العربية بــ”الدواعش”.

يؤّكد هذا السيناريو أنّ احتمالية تحققه تنطلق من فكرة أنّ العشائر وصلت إلى مرحلة اللاعودة بعد كل ما جرى. وهنا يقول الحاج علي: “العشائر لم تعد تطالب بإطلاق سراح أبو خولة فقط، وإنما بدؤوا التحدث عن الثأر وممارسات قسد العنصرية ضد العشائر العربية”، لافتاً إلى أنّ يجرى قد يؤدي إلى خرج بعض قوات العشائر عن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذا السياق، يرى البعض أنّ الانتصار العشائري منعزلاً عن الإرادة الأمريكية، غير مستبعد، خاصة وأنّ الدور الأمريكي السابق لم يكن إلى جانبهم، وإنما كان دعماً لـ”قسد” وسمح لها بالتوسع على حساب مناطق أغلبية عربية. وبحسب الكاتبة صبا مدور أنّ ما حصل “مثل سوء تقدير فادح من الولايات المتحدة التي ربما لم تجد بين القبائل العربية في البادية السورية من تعده موالياً لها يسير بأمرها، فعدت قسد ممثلها الوحيد، وفات عليها أن سوء التدبير والجهل بالطباع والناس والجغرافيا سيجر عليها فشلاً وكرهاً وضياعاً للأموال والفرص وربما الأرواح أيضاً، وفق ما نقله موقع “المدن”.

قصي المحمد

اقرأ أيضاً