أثر برس

الخميس - 2 مايو - 2024

Search

من الندرة إلى الوفرة: حليب الأطفال لمن يملك المال

by Athr Press G

خاص|| أثر برس منذ قرابة العام، أعلنت شركة محلية عن توفر حليب الأطفال “الرضع” في حوالي 2800 صيدلية موزعة على جميع المحافظات، ومن مصدر عالمي موثوق ومعتمد في مختلف الأسواق العالمية، إلا أن المادة فقدت من الأسواق بعد فترة قصيرة من ذلك، وتحديداً خلال شهري شباط وآذار من العام الحالي بحسب ما يؤكد نقيب صيادلة دمشق، ولتعود المادة بعد فترة للتوفر، لكن بكميات قليلة وأسعار باتت ترتفع باستمرار تبعاً لمتغيرات سعر الصرف، بحيث وصل سعر علبة حليب الأطفال “نان 1” إلى حوالي 100 ألف ليرة .

في رحلة بحثها عن نوع محدد من حليب الأطفال، تجول نهى على الكثير من الصيدليات عسى ولعل أن تحظى بعلبة واحدة على الأقل لطفلتها البالغة من العمر ثلاثة أشهر، على الرغم من ارتفاع سعر العلبة الواحدة في بعض الصيدليات إلى حوالي 90 ألف لير، تقول نهى في حديثها لـ”أثر برس”: “إن حلـيب الأطفـال متواجد في معظم الصيدليات، إلا أن هناك أنواعاً محددة هي الأكثر طلباً مثل نان 1، نان 2، و26، وهذه ارتفعت أسعارها بشكل كبير، وحجة الصيدلي دوماً أن كمياتها قليلة نتيجة الوقت الذي يتطلبه استيرادها”.

كلام نهى أكدته مشاهدات مراسل “أثر برس” في المستودع الخاص بفرع نقابة صيادلة دمشق، إذ إن معظم الأنواع متواجدة من قبيل “نان 1، الكيكوز، نيوتري بيبي، وبيوميل”.

أما نسرين، وهي أم لطفل عمره أشهر قليلة، تؤكد أنها اضطرت لشراء نوع مختلف عما اعتادت على شرائه بسبب ارتفاع الأسعار، مشيرة إلى أن الأمهات معتادات على نوع محدد من حليب الأطفال، وتالياً فإن تغيير الأنواع يتسبب بإصابة أطفالهن بأمراض معوية، إلا أن الدكتورة سهام إبراهيم، وهي طبيبة أطفال، تؤكد لـ”أثر” أنه “لا توجد أي حالات لأطفال تأثروا جراء تغير نوع الحليب، إذ أن تركيبة الحليب واحدة مع إضافات بسيطة لكل نوع حسب كل شركة، ومعظم الأمهات تقمن بتغيير نوع حليب أطفالهن كل شهر أو ثلاثة أشهر، ولو كان ذلك صحيح  لتأثر جميع الأطفال”.

حلقات متعددة:

في البحث عن أسباب فقدان مادة حليب الأطفال وارتفاع أسعارها بشكل يفوق قدرة أسر كثيرة، هناك عدة جهات يجب مراجعتها وسؤالها عن مسؤوليتها، وزارة الصحة كانت الجهة الأولى في محاولة البحث تلك، وهنا توضح معاونة وزير الصحة الدكتورة رزان سلوطة لـ”أثر” أن “وزارة الصحة ليس لها علاقة بتسعير مادة حليب الأطفال أو استيرادها، فهناك قطاع خاص هو من يقوم بالاستيراد” مشيرةً إلى أن “الفترة الحالية لم تشهد فقدان مادة حليب الأطفال، لا بل على العكس هي متوفرة وخلافاً للأشهر القليلة الماضية، والتي كانت خلالها الأسواق المحلية تعاني نقصاً واضحاً بسبب نقص الكميات الموردة”.

وعن مسؤولية الوزارة، تضيف الدكتورة سلوطة إلى أن “عمل وزارة الصحة ينحصر فقط بتسجيل أنواع وماركات مادة حليب الأطفال ومراقبتها فنياً، في حين تقوم وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من خلال المؤسسة العامة للتجارة الخارجية بعملية التسعير بالقطع الأجنبي، ومن ثم تقوم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتسعير بالليرة السورية، بينما يقوم مصرف سوريا المركزي بإجراءات التمويل وفق الأولويات المتوفرة لديه”.

معظم التبريرات المصاحبة لأزمة فقدان حليب الأطفال من الأسواق المحلية، والتي ظهرت مفاعليها جلية خلال كارثة الزلزال الذي ضرب البلاد في شهر شباط من العام الحالي، تتركز على محدودية الكميات المستوردة وتالياً ما هو متاح منها أمام المستهلكين، وهنا يوضح معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية شادي جوهرة أن “مادة حليب الأطفال لا تؤمن استيراداً عن طريق المؤسسة العامة للتجارة الخارجية، وإنما عن طريق القطاع الخاص بموجب وكالات متعددة ومسجلة أصولاً لدى الجهات المعنية”، مضيفاً في تصريح خاص لـ “أثر برس” أن دور “المؤسسة العامة للتجارة الخارجية بشأن مادة حليب الأطفال لما دون عمر السنتين يتعلق بعملية التسعير بالقطع الأجنبي، من خلال اللجنة المشكلة من ممثلين عن المؤسسة ووزارة الصحة ونقابة الصيادلة لهذه الغاية، إلى جانب  منح الموافقة على الإفراج عن شحنات الحليب المستوردة عن طريق القطاع الخاص بعد استيفائها لشروط التحاليل المطلوبة أصولاً لدى الجهات المعنية (وزارة الصحة– الزراعة– هيئة الطاقة الذرية) وعليه فإن مادة حليب الأطفال تعتبر مسعرة إدارياً (سواء بالقطع الأجنبي أو بالليرات السورية) باعتبارها حاجة استهلاكية أساسية لحياة الأطفال”.

تتلخص إجراءات وزارة الاقتصاد بحسب ما يشير جوهرة في “تسهيل إجراءات منح إجازات الاستيراد لجميع المستوردين وبسقوف مفتوحة، سواء بالنسبة للكميات أو للقيم، وذلك حرصاً على ضمان توفر المادة بشكل دائم وعدم حصول انقطاعات واختناقات في سلاسل التوريد، وعليه فإن الكميات اللازمة لحاجة السوق تستورد من قبل القطاع الخاص وفق حاجة السوق تبعاً لحالة الطلب ذات الصلة”.

في هذا السياق تظهر البيانات الإحصائية لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أن عدد إجازات الاستيراد الممنوحة منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر تشرين الأول بلغ 30 إجازة منحت لحوالي 6 مستوردين، وبقيمة إجمالية تبلغ 20 مليون يورو.

وكما هو حال أي سلعة مستوردة يرتفع سعرها أو تقل كمياتها، فإن العقوبات الغربية تتحمل الوزر الأكبر وحتى إن كانت المادة مستثناة من تلك العقوبات، لكن العقوبات المفروضة على التحويلات البنكية وارتفاع بدلات النقل والشحن والتأمين تتسبب بارتفاع تكاليف استيرادها ويضاعف من الوقت اللازم لإنجاز إجراءات التعاقد والشحن والوصول، إلا أن نقيب صيادلة دمشق حسن ديروان ينفي أن تكون هناك مشكلة في تأمين مادة حليب الأطفال، فما يحدث لا يتعدى انقطاع نوع معين من المادة، ولفترة وجيزة قبل أن يتوفر من جديد، ويؤكد في تصريح لـ”أثر برس” أنه “في الوقت الحالي فإن كميات مادة حليب الأطفال بأنواعها المختلفة متوفرة في الأسواق المحلية، حيث يجري استيرادها من قبل عدة شركات، مع العلم أن تمويل مستوردات المادة بالقطع الأجنبي كان يتم سابقاً من قبل المصرف المركزي، في حين أنها اليوم تتم عبر المنصة، وهذا ما تسبب برفع تكلفتها بالنظر إلى أن التمويل يتم بسعر صرف غير مدعوم، فيما الميزة الوحيدة لذلك هي تسريع عملية الاستيراد بعد أن أصبح توفير القطع عن طريق شركات الصرافة، مع الإشارة أيضاً إلى وجود مؤشرات ايجابية في عملية الاستيراد، إذ إن معظم الكميات كانت تستورد من إيران، أما اليوم فهناك أنواع من منشأ فرنسي وسويسري يجري استيرادها”.

ويتفق سامر (ع) وهو أحد موزعي حليب الأطفال مع ما قاله ديروان الذي أكد لـ”أثر” أن “فترة وصول المادة إلى المرفأ، ومن ثم إلى الصيدليات أصبحت أقل مما كانت عليه خلال الأشهر الأولى من العام الحالي، حيث تصل الدفعات كل شهرين تقريباً”.

الكل يتنصل:

تتنصل الصيدليات من أي مسؤولية تتعلق بتوفر المادة وأسعارها، ملقية بالكرة إلى وزارة التجارة الداخلية ومستودعات الأدوية، وبحسب ما يبين نقيب صيادلة دمشق فإن النقابة ليست مسؤولة عن التسعير، والتي هي من مسؤولية وزارة التجارة الداخلية عبر لجنة خاصة ممثلة فيها النقابة، وهذه اللجنة مهمتها وضع الحد السعري المناسب وفق التكاليف المقدمة من المستوردين وواقع سعر الصرف، الذي أثر بشكل كبير على ارتفاع سعر المادة كون التمويل يتم وفق سعر صرف المنصة”، معتبراً أن “الصيادلة لا يستفيدون من ارتفاع سعر مادة حليب الأطفال كأرباح لأنهم يعتبرون تأمين مادة حليب الأطفال خدمة للمواطن، في حين أن الصيدلي يجمد كتلة مالية كبيرة لشرائه”.

من جانب آخر، يكشف صيدلي يعمل في دمشق، ورفض الكشف عن اسمه، أن مادة حليب الأطفال متوفرة بشكل مقبول في الفترة الحالية، حيث يتم توزيع كل أسبوع علبتين أو ثلاث علب على كل صيدلية، رغم أنه متوفر وبكميات جيدة في بعض المستودعات، معتبراً أن فعل ذلك هو تمهيد لرفع سعر المادة، فضلاً عن تهريب بعض الأصناف المستوردة إلى لبنان لبيعها بسعر مرتفع”.

يقدم رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية السورية الإيرانية المشتركة فهد درويش، وهو أحد مستوردي مادة حليب الأطفال، رؤية أخرى لواقع توفر المادة في الأسواق المحليةـ فيقول في تصريح خاص لـ”أثر برس” إن هناك محاولات لاستيراد كميات تغطي حجم السوق من مادة حليب الأطفال “الرضع” من إيران، حيث تم الاتفاق على الاستيراد خلال 20 يوماً، مبرراً أن قلة الكميات في الفترة الأخيرة يعود لقلة الإنتاج في البلد المورد، الأمر الذي أدى إلى منع الاستيراد لحين تأمين كميات كافية”.

واعتبر أن مشكلة استيراد حليب الأطفال “لا علاقة لها بالتمويل أو بالمنصة، وإنما بإجراءات وزارة الصحة التي تفرض شرط التسجيل لديها، والذي يستلزم وقتاً طويلاً يصل إلى حوالي خمسة أشهر، وذلك للتأكد من أن مادة الحليب المستوردة مصدرها الشركة الأم، إضافة إلى تشكيل لجنة تقوم بالكشف عن هذه المادة للتأكد أيضاً من وجود تركيبة خاصة ضمن مادة حليب الأطفال”.

واللافت أنه أثناء إعداد هذا التحقيق، تم الكشف إعلامياً عن وجود عبوات حلـيب أطفـال غير صالحة للاستهلاك وتحتوي على ديدان، الأمر الذي ينقل الملف إلى مكان آخر لم يعد يتعلق بتوفر المادة وأسعارها وإنما بجودتها وتخزينها وصلاحيتها للاستهلاك، وتعليقاً على ذلك يوضح مدير تموين دمشق ماهر بيضة لـ”أثر” أن “مديرية التموين غير مسؤولة عن ضبط حالات “غش” لحليب أطفال كونه يباع بالصيدليات، وهناك ضابطة خاصة من وزارة الصحة مهمتها سحب عينات والقيام بتحليلها، منوها أن هناك أنواعاً من حليب الأطفال تباع على البسطات، مصدرها الإعانات الإغاثية المقدمة رغم أنه ممنوع من البيع، وفي حال بيعه فإن كل ما نفعله هو التأكد من الفواتير” بحسب كلامه.

إنتاج محلي:

لكن هل يعقل أن سوريا لم تتمكن طيلة السنوات الطويلة السابقة من إقامة معمل لإنتاج حليب الأطفال، وتوفير ملايين الدولارات التي تنفق سنوياً على الاستيراد، إضافة إلى التخلص من الأزمات المتلاحقة المتعلقة بتوفير المادة في الأسواق المحلية؟

للأسف كل المحاولات السابقة كانت عبارة عن مشروعات قيد الدراسة لم يكتب لها النجاح، وربما يكون بعضها قد حصل على ترخيص، إلا أنه لم يدخل في طور التنفيذ أو لنقل بصريح العبارة لم يغامر بذلك، مؤخراً أعلنت هيئة الاستثمار السورية عن تشميل مشروع على قانون الاستثمار لإنتاج حليب الأطفال، وهذا ما يؤكده مدير عام هيئة الاستثمار السورية مدين دياب في تصريحه لـ”أثر برس” والذي يقول: “هناك مشروعاً لإنتاج حلـيب الأطفـال في مدينة عدرا الصناعية بكلفة تقديرية تصل إلى حوالي 7 مليارات ليرة، يؤمن 21 فرصة عمل، ومن المتوقع البدء بالتشغيل التجريبي بداية العام القادم، كما أن هناك مشروعاً لصناعة الحليب المجفف ومساحيق أغذية الأطفال وتعبئتها في محافظة حماة، وقد باشر بتركيب الآلات، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج أيضاً مع بداية العام القادم” .

ميساء العلي

اقرأ أيضاً