أثر برس

الجمعة - 19 أبريل - 2024

Search

توقعات بارتفاع التضخم أكثر من 220 بالمائة.. وخبراء: من أين تؤمن الشركات النفط والحكومة السورية عاجزة عن ذلك؟

by Athr Press G

خاص ||أثر برس أثرت مسألة عدم انتظام سلسلة التوريدات الخارجية للمشتقات النفطية التي تعتمد عليها سوريا حالياً وخلال السنوات الماضية أيضاً، على زيادة معدلات التضخم بشكل كبير، إذ توقعت أستاذة الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتورة رشا سيروب في حديث لـ أثر” ارتفاع التكلفة الإنتاجية والتي ستنتقل لاحقاً إلى المستهلكين، بمعدلات تفوق نسبة الزيادة في سعر المازوت، والتي قاربت 220%، أي أنّ معدلات التضخم وفقاً لسيروب قد تزيد عن 220 بالمائة.

وكانت أصدرت أول أمس وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بناء على كتاب رئاسة مجلس الوزراء بداية هذا الشهر، وعلى الاجتماع المنعقد في وزارة النفط والثروة المعدنية لجهة السماح لشركة (B.S) بيع 15 بالمائة من كميات المحروقات التي تستوردها للفعاليات الاقتصادية، قراراً ألزمت بموجبه الشركة المذكورة، ببيع المحروقات التي تستوردها للفعاليات الاقتصادية من مادتي المازوت والبنزين، ليصبح سعر الليتر الواحد من مادة المازوت 5400 ليرة، و4900 ليرة لليتر الواحد من البنزين.

وفي إشارة (تطمينيه) لعدم وجود ارتفاعات حالية على أسعار المشتقات النفطية المدعومة أو المباشرة المحددة مسبقاً، أضاف القرار المذكور: “يستمر بيع المشتقات النفطية الموزعة من قبل شركة المحروقات ومراكز التوزيع والمحطات وفق الأسعار المحددة من قبل الوزارة والمعمول بها سابقاً”، وطلبت من الموزعين الإعلان عن الأسعار بشكل واضح ومقروء ضمن مراكز التوزيع.

وفي هذا السياق، يؤكّد الخبراء أنّه غالباً ما تُرافقْ كل أزمة محروقات محلية، مسألتين رئيستين يمكن استنتاجهما من خلال التجارب الماضية: الأولى هي الارتفاعات المضاعفة في أسعار السلع نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات في السوق السوداء (الموازية) وتحول التجار والصناعيين وحتى المواطنين بالاعتماد عليها لتأمين متطلباتهم من المازوت والبنزين والغاز لضمان استمرار إنتاجهم وحتى أعمالهم التي تتطلب توافر المادة، والمسألة الثانية هي اعتياد المستهلكين على صدور قرارات حكومة جديدة تُزيد من أسعار المشتقات النفطية (المدعومة وغير المدعومة).

توقعات بارتفاع التضخم بمعدلات تفوق نسبة الزيادة في سعر المازوت

وفي تعليق على القرار المذكور وانعكاساته على الحياة الاقتصادية عموماً، وعلى التضخم بوجه خاص، قالت أستاذة الاقتصاد في جامعة دمشق د. رشا سيروب في تصريح لـ”أثر”: “يعتبر المازوت أحد المدخلات الاقتصادية الرئيسية، فهو شريان الحياة للاقتصاد والنقل وجميع القطاعات الاقتصادية، لذا فإن ارتفاع أسعاره يشكل عاملاً رئيسياً في ارتفاع معدلات التضخم بالتكلفة، أي ارتفاع الأسعار الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج”.

وأضافت سيروب “ومع معاناة المواطنين المزمنة من الارتفاع الجنوني والمستمر في الأسعار، سيشعر السوريون بأثر رفع السعر على الفور”، مشيرةً إلى أنّ أثار التغيرات في سعر المازوت ستظهر بشكل مباشر باعتباره أحد مكونات مؤشر أسعار المستهلك، أو من خلال انعكاسه في ارتفاع تكاليف جميع السلع والخدمات التي يدخل في إنتاجها أو نقلها وحتى تسويقها.

وربطت اقتصادياً الدكتورة سيروب قرار رفع سعر المازوت كونه جزء هام يسجل ضمن تكاليف الإنتاج وبين أسعار السوق النهائية التي تصل للمستهلك مرجحة أنّ الارتفاعات المتوقعة في السلع النهائية ستفوق نسبة الارتفاع الذي حصل في سعر المادة، حيث قالت: “هذا الارتفاع في التكلفة الذي سينقل لاحقاً إلى المستهلكين، بمعدلات تفوق نسبة الزيادة في سعر المازوت، والتي قاربت 220%، حيث أن سعر المازوت المعلن رسمياً كان 1700 ل. س للتر الواحد، وفق قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في العام الماضي، ليسعر وفق القرار الأخير بـ 5400 ل. س للتر الواحد”.

وأردفت سيروب: “ما جرى يعني مزيد من استنزاف للأموال- التي وصفتها بـ(الهزيلة)- في جيوب المستهلكين، ومصدر حاسم للألم، لأنها تؤثر على تكلفة كل منتج تقريباً، وهو عامل تسريع للتضخم، والمواطن هو من سيدفع ثمنه في النهاية”.

وعن منعكسات هذا القرار الذي قد يبرره البعض، بأن الصناعيين والفعاليات الاقتصادية المختلفة كانت تشتري مصادر الطاقة بأكثر من هذا السعر وبالتالي لن يؤثر على الأسعار، هنا تجيب سيروب بالقول: “هذا صحيح جزئياً من حيث التسعير؛ لكن يوجد أربع نقاط لا يمكن تجاهلها عند تحليل منعكسات هذا القرار”.

فالنقطة الأولى، بحسب ما ذكرته الأستاذة الجامعية، هي قوننة عملية بيع المازوت والبنزين المسروق، ويتضح ذلك برأيها “من خلال المنشور على صفحة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والذي جاء فيه: “إن المازوت والبنزين الذي يباع فيما يسمى بالسوق السوداء هو مسروق بالمطلق ويشترى بالسعر المدعوم ثم يباع في السوق السوداء بأضعاف سعره”، ومنشورها (أي الوزارة)، الذي تبعه “الوزارة حذرت المنشآت والفعاليات التي تستجر المشتقات النفطية السورية المسروقة، ولم تحذر المواطنين الأفراد”.

أي أن الحكومة، برأي سيروب، “تعلم بوجود سرقات موصوفة في المشتقات النفطية لكنها غير قادرة على إيقافها أو الحد منها”.

من يسير وراء الثاني.. الحكومة أم “السوق السوداء والتّجار”؟

وفي النقطة الثانية، تؤكّد سيروب أنّ السوق السوداء والتجار هم من يتحكمون بأسعار السوق، وقالت: “هذا الإجراء، يذكرنا بتجارب ليست بالقديمة لمؤسسة التجارة وكذلك تجارب مصرف سوريا المركزي في سنوات سابقة، عندما تقوم برفع أسعار المنتجات في صالاتها بناء على سعر السوق، وعندما كان يرفع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية بناء على السوق السوداء، وهذا دليل على أن الحكومة تسير خلف السوق السوداء والتجار وليس العكس، وهو ما يزيد من خشية ارتفاعات لاحقة متسارعة لا حول للحكومة ولا قوة لها للحد منها”.

وفي النقطة ما قبل الأخرة، علقت سيروب على توقيت إصدار القرار، وقالت: “نحن في فصل الشتاء، حيث يزداد الطلب على المازوت مما سيسهم في تأجيج ارتفاعها”.

أمّا في النقطة الأخيرة، برأي سيروب يوجد تناقضات في التصريحات الحكومية تستوجب الوقوف عندها حقيقة، إذ قالت: “التصريحات الحكومية المتناقضة حول توافر المشتقات النفطية وأسباب عدم توافرها، وتبرير الوزارة قرارها الأخير بأنه “لم يتم رفع أسعار المازوت أو البنزين على الإطلاق، لكن الحكومة استطاعت تأمين كميات إضافية مستوردة وطرحتها بناء على الكلفة لكي ترفد ما هو موجود في ظل نقص المشتقات النفطية الحالي”.

وتضيف سيروب مستهجنة في كلامها محاولة الجهات الحكومية التنصل من مسألة بيع المادة بالسعر المدعوم للصناعيين وإيكال الأمر لإحدى الشركات الخاصة لتكون بالواجهة وتبيع بالسعر الجديد، حيث قالت: “لماذا لم تقم الوزارة تنفيذاً لوعودها في دعم الأنشطة الاقتصادية باستجرار الكميات المطلوبة من الشركات المستوردة للمشتقات النفطية وتعيد بيعها بسعر مدعوم لأصحاب الفعاليات الاقتصادية؟! وأضافت: “هكذا يتم الدعم وليس من خلال نقل عبء توفير المشتقات النفطية إلى الفعاليات الاقتصادية”.

وختمت الدكتورة سيروب بالقول: “الظروف التي تمر بها سوريا، ليست استثنائية، تعاني سوريا منذ عام 2011 وزادت حدة بعد تطبيق قانون قيصر، لذا لا يوجد ما يبرر ويقنع المواطن بأن العقوبات الدولية هي العامل الوحيد في أزمة حياته اليومية، 11 عام من الحرب والظروف غير المستقرة كفيلة بأن يصبح لدى الفريق الحكومي خبرة في التعامل مع الأزمات وفي إدارة الملف الاقتصادي”.

رأي للخبراء

إنّ الإجراء الحكومي السابق، على ما يبدو يندرج ضمن سياق الإجراءات المسبقة الهادفة للتقليل من حجم العجز الحكومي الذي تمر به الحكومة سنوياً نتيجة لتغطيتها نسبة كبيرة من أسعار المحروقات الموزعة محلياً بالسعر المدعوم لمختلف القطاعات، دون التفكير بالآثار التي قد تنجم عن هذا الإجراء والذي ستكون انعكاساته كبيرة على معدلات التضخم بالدرجة الأولى، علماً أنّ المادة المدعومة التي يفترض أن توزّع للجهات المستفيدة منها، خُفضت بنسبة واضحة خلال العامين الماضيين سواء ما يتعلق منها بمازوت التدفئة أو المازوت الزراعي وحتى البنزين المدعوم.

ويضيف الخبراء، تساؤلات قد تخطر لدى الكثيرين من الضروري التوقف عندها أيضاً، فعندما تمنح الحكومة إحدى الشركات الخاصة حق بيع المحروقات بالسعر العالمي في السوق المحلية، فمن أين تقوم هذه الشركات بتأمين المادة الخام لنفسها حتى تكررها بأحضان الحكومة؟ فهل هي قادرة على تأمين النفط والحكومة عاجزة عن ذلك؟ أمّ أنّ ذلك هو خطوة باتجاه تحرير أسعار المشتقات النفطية التي طالما كثر الحديث عنها مؤخراً؟

قصي أحمد المحمد

اقرأ أيضاً