أثر برس

الجمعة - 26 أبريل - 2024

Search

المتطرفون للحكم باسم واشنطن.. ماذا لو وقعت الفدرلة؟

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس خلال اجتماعها بـ أعضاء من رئاسة “المجلس الوطني الكردي”، قالت رئيسة اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية “نادين ماينزا”: ” أوصينا أن تعترف الولايات المتحدة سياسياً بالإدارة الذاتية كحكومة محلية إقليمية تقود هذه المنطقة، وأوصينا برفع العقوبات عن شمال وشرق سوريا”، في وقت يتصرف فيه قائد تنظيم “جبهة النصرة”، وكأنه حصل على وعد قطعي من الإدارة الأمريكية بإزالته من لوائح الإرهابيين المطلوبين دولياً، مع نشاط ملحوظ لمسؤولي النظام التركي في دخولهم إلى الأراضي السورية بحجة تفقد المناطق التي تحتلها تركيا بالتنسيق مع “الإئتلاف المعارض”، ما يعني أن الرؤية الأمريكية لمشروع فدرلة سوريا بدأت تظهر للعلن أكثر من أي وقت مضى.

تصرفات واشنطن وأنقرة في الداخل السوري تشير إلى وجود نية بإقرار “فدرلة سوريا”، بفعل الأمر الواقع، من خلال دعم مشاريع انفصالية على الرغم من محاولات الروس لمحاولات ثني القوى السياسية الطامحة لذلك عن التمسك بـ “الأحلام الأمريكية”، فالتصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تشير إلى ذلك بوضوح، إذ يؤكد أن القوات الامريكية ستخرج عاجلاً أم آجلاً من سوريا، ويدعو الكرد إلى “حوار جدي مع دمشق”، وهي محاولات من الجانب الروسي لتطويق المشروع الأمريكي الذي يعيد إلى الأذهان التقسيم الفرنسي للجغرافية السورية إبان “الانتداب”، في عشرينات القرن الماضي.
إمارة أمريكية

أبرز المشاريع وأخطرها هو تحول شمال غرب سوريا إلى إقليم شبه مستقل تحت حكم “أبي محمد الجولاني” الذي يجهد لتصدير نفسه للمجتمعات الغربية على إنه “شخصية سنية معتدلة” تتبنى “معارضة الحكومة السورية” كنهج سياسي بعيد عن الارتباط بتنظيم القاعدة، لذا كان من الضروري ظهوره العلني المتكرر بزي وهيئة مختلفتين جذرياً تعتمده الشخصيات المتطرفة من حلفاء الأمس، والإعلان عن افتتاح طريق “باب الهوى – حلب”، أمام الحركة التجارية تأتي كمحاولة لإظهار النية بإمكانية أن تكون “إمارة إدلب” ومن خلال “حكومة الإنقاذ” التابعة لها، متعاونة مع بقية الجغرافية السورية من الناحية الاقتصادية بتسهيل وصول القوافل التجارية من المعبر إلى حلب، المدينة التي تسيطر عليها الحكومة السورية بالكامل، كما أعلن الجولاني عن مشروع “مدينة صناعية” في منطقة باب الهوى، وهو مشروع من شأنه أن يدعم من قبل النظام الحاكم في أنقرة بكونه قد حول تركيا إلى حديقة خلفية للفصائل المتطرفة النشطة في سوريا، وقبل بوجود شركات مرخصة مثل “وتد للبترول” تعمل على نقل المحروقات من أوكرانيا إلى الداخل السوري، وهي واحدة من الشركات التي يملكها تنظيم “جبهة النصرة” والتي تعمل على غسل أمواله أولاً، والتحكم بواحدة من أهم العمليات التجارية في إدلب.

“الجولاني” ولخدمة مشروعه الخاص لم يخف سابقاً التواصل مع الأمريكيين ومطالبتهم برفع اسم “هيئة تحرير الشام” عن لائحة التنظيمات الإرهابية، ويبدو أن القرابين التي قدمها “الجولاني” للأمريكيين من القيادات المتطرفة التي كانت حليفة له ليست كافية إلى الآن ليتم شطب اسمه وتنظيمه من اللوائح السوداء، ومع ذلك فإن نشاطه يحظى بقبول أمريكي ومشروعية تركية قد تفضي لاحقاً إلى قبول إدلب ضمن مشاريع “الإدارات الذاتية” من قبل الأمريكيين، خاصة وأن تمديد العمل بآلية إدخال المساعدات إلى الأراضي السورية بشكلها الحالي يعد تمديداً لآلية دعم الجولاني نفسه، فـ “النصرة” تشترط الحصول على 25% من أي كمية مساعدات تدخل من معبر باب الهوى الذي تسيطر عليه بشكل كامل من الجانب السوري دون أي اعتراض من قبل القوات التركية التي تتعامل علانية مع تنظيم موضوع على لائحة التنظيمات الإرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي.

ترك الباب مفتوحاً أمام طموحات “الجولاني” من قبل الأمريكيين من شأنه أن يغير شكل وهوية سكان المنطقة الواقعة شمال غرب سوريا، فقد يذهب زعيم “النصرة” نحو تقديم وعود بإمكانية بقاء حاملي الجنسيات الأجنبية من المتطرفين في المناطق التي يسيطر عليها بدلاً من العودة إلى دولهم التي تتخوف من الأمر، كما إنه سيقدم إدلب على إنها منطقة ذات بعد ديني يرفض سكانها الاندماج مع بقية سكان سوريا على هذا الأساس، وبالتالي سيكون “الجولاني” أميراً على إقليم ديني الهوية.
إدارات عرقية

إدارات عرقية

تشير المعطيات إلى أن الأمريكيين لا يكتفون بتحويل مناطق شمال شرق سوريا إلى إدارة محكومة من قبل “حزب العمال الكردستاني” على اعتبار إنه القوة السياسية التي تحتكر تمثيل الكرد أمام الرأي العام، بل تبدو مساعي واشنطن لدعم إقامة “إدارة ذاتية” في الجنوب محمومة من خلال دفع الفصائل المنتشرة في “مخيم الركبان”، ومحيط بلدة “التنف”، إلى رفض أي تعاون مع الحكومة السورية لتفكيك المخيم على الرغم من سوء الأحوال المعيشية فيه، كما إن خلق “حزب اللواء” بدعم إسرائيلي وأمريكي قد يكون مقدمة لخلق تعاون ما بين قوى في محافظة السويداء والفصائل الموجودة في الركبان بهدف اختراق الجنوب من بوابة المحافظة ذات الخصوصية الأكثر تعقيداً، والتي كانت خارج حسابات الحرب طيلة ما يقارب أحد عشر عاماً، هي حراك مدعوم من قبل جهات استخبارية تحاول إقحام السويداء عنوة ضمن خارطة عاماً، ولا تستغرب المصادر التي تواصل معها “أثر برس”، أن كل ما يجري في محافظة السويداء من إشكالات أمنية ومحاولات لاختراقها المناطق المتوترة.

ورغم أن الحديث عن إعلان إدارة ذاتية في “الركبان”، بشكل مستقل أو بشكل مشترك مع “عصابات”، تنتشر شرق السويداء، غير مطروح بالشكل العلني من قبل واشنطن، إلا أن كل ما تقوم به في المنطقة، مع ترك تنظيم “داعش” موجوداً في الأطراف الشمالية لهذه المنطقة كـ “خط دفاع بشري”، مع إمكانية توظيفه بهجمات داخل المناطق التي تسيطر عليها دمشق، يؤكد أن “قسد” ليست البيدق الوحيد الذي تحركه واشنطن على رقعة “الفدرلة” وبالعودة إلى شمال شرق سوريا، لا يبدو أن قيادات “قسد”، يمتلكون خيارات أوسع من التمسك بـ “الوعود الأمريكية”، رغم معرفتهم المطلقة بأنها “غير جدية”، إذ لن يذهب الأمريكيون لرفع العقوبات عن شمال شرق سوريا أو شمالها الغربي، لكون إمكانية استفادة الحكومة السورية من هذا الرفع الجزئي موجودة بطريقة أو بأخرى، وبالتالي فإن وعد “الاعتراف الرسمي”، بـ”الإدارة الذاتية”، على إنها حكومة إقليمية تحكم شمال شرق سوريا يعد من الوعود القابلة للصرف على أرض الواقع وإن كان الأمر لن يمر بسهولة بسبب رفض الروس وتمسكها بمنع فدرلة سوريا من المنظور الأمريكي، إضافة إلى إمكانية حدوث صدام سياسي بين واشنطن وحليفها التركي الراغب بتفكيك القدرة العسكرية والاقتصادية لـ “قسد” ليضمن “الأمن القومي التركي”.

ولايات تركية
تتصرف أنقرة على أن المناطق التي تحتلها من شمال محافظات الحسكة والرقة وحلب، كمناطق خاضعة لـ “الانتداب التركي”، وبفعل الأمر الواقع تقوم بممارسة “التتريك”، بأعلى صوره وأكثرها وضوحاً انطلاقاً من فرض العملة التركية على العمليات التجارية إلى الاستيلاء على شبكة الاتصالات ونقل الكهرباء من قبل الشركات التركية، وفرض “بطاقة التعريف”، على سكان المنطقة كبديل عن “الهوية الشخصية” الصادرة عن الحكومة، وهي تتعامل مع هذه المناطق على إنها مقسمة إلى ثلاث مناطق إدارية “نبع السلام – درع الفرات – غصن الزيتون”، ولكل منها تبعية لـ “ولاية تركية مختلفة”، في “هاتاي – غازي عينتاب – أورفة”.
ولن يتأخر الأتراك إذا ما طرح مشروع الفدرلة عن ترشيح هذه المناطق لتكون تحت إدارة ذاتية موحدة لإدارة “الولايات الثلاث”، وقد يكون القبول الأمريكي لمثل هذا الطرح التركي دافعاً لأنقرة بقبول الاعتراف بإدارة “قسد” لشمال شرق سوريا، فالنظام التركي أثبت أنه يقبل بالرشاوى السياسية وتحقيق المكاسب السريعة التي تضمن له البقاء لأطول وقت ممكن في سدة الحكم التركي.
لا يعول كثيراً على المعارضة السورية في رفض أو قبول مثل هذه الملفات، فما يطرح عليها من مشاريع يعد أوامر واجبة التنفيذ، وبالتالي فإن قبول “الائتلاف” بالتطبيع مع “قسد”، والذهاب نحو الاعتراف بإداراتها الذاتية أو رفضها، موقف مرهون بما تريده أنقرة أساساً، والتي وإن هددت باقتحام المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، فإنها لا تفعل ذلك قبل أن تشعل واشنطن الضوء الأخضر أمامها.

الذهاب نحو مناطق محكومة من قبل الفصائل المتطرفة على أسس دينية أو عرقية في مناطق مختلفة من سوريا، يعد محاولة أمريكية لفرض “الفدرلة” بفعل الأمر الواقع على الخارطة السورية، الأمر الذي سيعقد الملف السوري أكثر من أي وقت مضى بعد أن تمكن دمشق من إنهاء الجزء الأكبر من المعركة العسكرية لصالحها، وبالتالي فإن الأمريكيين يناورون بدعم متطرف مثل “أبي محمد الجولاني” مع جهد كبير لخلق “حوار كردي – كردي”، يكون مقدمة لإنهاء الخلافات بين القوى المختلفة الإيدلوجية في محاولة لتشكيل “مرجعية كردية موحدة”، تقتسم السلطة في الشمال السوري كي لا تظهر واشنطن على إنها تدعم فصيل كردي موصوف بالإرهاب وإنما تدعم مكون عرقي يطالب بحقوقه الثقافية، علماً أن هذا المكون لا يشكل أكثر من 10% من إجمالي خمسة ملايين نسمة تقول “قسد” أنهم يقطنون المناطق التي تسيطر عليها.

محمود عبد اللطيف

اقرأ أيضاً