أثر برس

الثلاثاء - 7 مايو - 2024

Search

أطفال التسول يخشون من “شرطة السياحة والفيسبوك”.. وبعضهم يعمل خوفاً من “العقاب”

by Athr Press G

خاص || أثر برس على حافة الرصيف الملاصق لـ “مول جرمانا” يجلس أحمد ذي التسع سنوات لساعات طوال ليحصّل من يد المارة ما تيسر له من مال، وهو واحد من عشرات الأطفال المنتشرين في شوارع هذه المدينة الواقعة على الطرف الشرقي للعاصمة، والتي تعاني من جملة من المشاكل الاجتماعية التي قد يعد التسول من أبسطها.

أحمد الذي لم يعرف الطريق إلى المدرسة بعد، نزح مع أهله من منطقة الحجر الأسود جنوب العاصمة، ويقول إنه لا يذكر أي تفصيل عن بيتهم القديم، ولا يعرف ما إذا كان والده سيعود بهم إلى ذلك البيت أم لا، إلا أنه وأخوته الأربعة يعملون بـ “التسول”، ويضحك حين نسأله عن حقيقة القصص التي يقولها للمارة ليحصل منهم على المال، ليقول: “أخي الكبير أو أبي يعلموني قولها”، ومن هذه القصص واحدة يقول فيها أنهم نازحون من حلب وأبوه متوفى.

ينتهي يوم أحمد بالوصول إلى 5000 ليرة كـ “غلة”، بعدها يمكنه العودة إلى المنزل ومشاهدة التلفزيون أو اللعب بـ “الطابة”، وإذا ما سألته عن “العيد” يقول: “اشتغلت وجمعت مصاري كثير أخدها أبوي”، ويضحك قليلا ليتابع: “بس أنا كنت أكل كل يوم سندويشة شاورما وما خبر أبوي، وأحيانا روح ألعب كونتر”.

أخاف يدبحني

سوسن، لا تعرف كم تبلغ من العمر، ربما هي في الثامنة أو أقل، وهي واحدة من الأطفال الذي يبحثون في ازدحام الشوارع عمن يعطيهم المال، وقد تلاحق الشخص لمسافة طويلة لتجبره على أن يمنحها شيئاً من المال قبل أن تخلي سبيله ليتابع طريقه بسلام، ولا تقبل الحديث إلى الغرباء، إلا أن بعضاً من المال قد يغريها بالحديث.

تقول الطفلة إنها تخاف من أن يضربها والدها إذا ما رفضت الخروج للعمل في الشوارع، فهي لا تخاف الليل بقدرما تخاف من “خرطوم” والدها الذي ينهال على جسدها كلما تعكر مزاجه، وهي تتشارك بـ “القتلة”، إذ تقول: “بس يعصب بيضربنا كلنا”، فهي أخت لسبعة أطفال يكبرونها جميعهم، وكلهم من العاملين في مهنة التسول.

وتقول سوسن وهي تشير إلى مجموعة من الأطفال الذين يكبرونها سناً: “هدول يشمون شعلة ويحكون كلام بذيئ”، علماً أن من أشارت إليهم لا يتجاوزن الثانية عشر من عمرهم، وتراهم يركضون في الأزقة المحيطة بـ “مول جرمانا”، إذا ما حاول أحد تصويرهم او الاقتراب للحديث معهم عما يفعلونه.

بياعة الورد خجولة

تدير “مريم” التي تقف بالقرب من “إشارة المزرعة” ظهرها للكاميرا، فهي لا ترغب بأن يصورها أحد في ساعات عملها في بيع الورد الأحمر للمارة، والسيارات التي تقف على الإشارة، فالطفلة التي تبلغ من عمرها ١٠ سنوات، تخشى من أن صورتها قد تصل إلى “فيسبوك” ليتم “فضحها وفضح أهلها”، واللافت أن غالبية الاطفال الذين يعملون بالتسول المباشر أو غير المباشر، يلقنون من قبل مشغليهم مجموعة من التحذيرات من القبول بإلتقاط الصور لهم من قبل المارة، وعلى الرغم من توقعك إنهم لا يمتلكون أدنى مستوى من التعليم، إلا أن المفاجئة ستكون بمعرفتهم بأسماء مواقع التواصل الاجتماعي وآلية إدارة الصفحة الشخصية، وكأنهم يمتلكون هواتفهم الخاصة ليتمكنوا من الدخول لهذه المواقع.

مريم تزعم إنها تعمل لمساعدة أمها في إعالة الأسرة المؤلفة من أربعة أخوة لم يدخلوا المدرسة نهائيا،ً وهي تعرف أن خصومها في العمل هم “شرطة السياحة”، وتقول إن الهروب هو الحل الوحيد في حال تمت ملاحقتها من قبل أي شرطي، وقد تستأجر تكسي للتمكن من الفرار إذا ما أحست باقتراب الخطر منها، ويأخذ الحديث طابع غريباً بشكل مفاجئ، فالطلفة التي تمسك بباقة الورد، تتحدث وكأنها زعيمة عصابة، وبعد فراغها من الكلام تسأل: “صدقتني..؟”، ثم تضحك بسخرية “كل شي قلت لك ياه كذب”، ثم تقطع الشارع إلى الطرف الآخر لتقف وتحدق بك، وكأنها قد انتصرت على فضولك وتواصل التسول.

الحسناء الصغيرة

“زينب” الطفلة التي لم تصل إلى السنة السابعة من عمرها، تقف على أحد أرصفة أوتستراد المزة، لا تخجل من الإجابة عن سؤالها ماذا تفعلين بالقول: “عم اشحد”، فالنسخ التي تحملها من الكتيبات القرآنية لا تنقص على الرغم من إنها تحصل على مبالغ كبيرة من المال يومياً، فهي تجيد “التغنج” على الزبائن وإبهارهم بجملها المضحكة ليمنحوها بعضاً من المال قبل مغادرتهم.

تمتلك الطفلة التي تتحدر من مدينة “حلب”، نوعاً من أساليب الاحتيال الظريف على الزبائن، فهي تطلب مبلغ ٥٠٠ ليرة إذا ما أراد أحدهم أن يتصور معها، وغالبا ما يطلب الزبائن التقاط صورة تذكارية معها لفرط ذكائها وجمالها، وهذا الأسلوب المبتكر من التسول، تعترف بأنها تعلمته من أختها الكبرى التي تقف في مكان قريب منها لحمايتها من “الخطف” و”شرطة السياحة” التي تكافح التسول، لكن زينب، نفسها لا تعرف أين تختبئ الأخت لتراقب الطفلة التي لا تريد الذهاب إلى المدرسة، خوفاً من المعلمة التي تضرب التلاميذ بالعصا، فـ “زينب”، تصدق كل ما تقوله أختها التي هربت بها من حلب.

محمود عبد اللطيف

اقرأ أيضاً