تُصر “الإدارة الذاتية” شرقي سوريا على إجراء انتخابات البلدية، التي عارضتها واشنطن، وأثارت حفيظة أنقرة التي هددت بشن عملية عسكرية في حال أُجريت، مما جعل هذه الانتخابات محط اهتمام المحللين، لافتين إلى الشرارة التي يمكن أن تشعلها هذه الخطوة من قبل “الإدارة الذاتية” سيما بعد إعلان واشنطن الصريح رفضها لها.
في هذا السياق أكد الباحث المساهم في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” براء صبري، في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” أن الإدارة الأمريكية تبرأت صراحةً من الانتخابات، موضحاً أن “واشنطن تعطي إشارة إلى أن الانتخابات بحد ذاتها غير سليمة حسب المعايير الديمقراطية، وأرسلت رسالتها هذه المرة بصدق للمعنيين بالقرارات في شرق الفرات”.
وأضاف أن “الإشارة الأمريكية فيها تحذير واضح من وجود مخاطر قد تترتب على إجراء الانتخابات، ومن بين هذه الاحتمالات شن هجوم بري عسكري جديد”، معتبراً أن واشنطن قدمت عبر بيانها هدية مجانية لتركيا بعدما طمأنتها بعدم التصادم معها في حال قيامها بأي اعتداء عسكري على حلفائها “الوحدات الكردية” في سوريا.
وفي هذا الصدد نشرت صحيفة “العرب” مقالة لفتت فيها إلى أن “كثيرين يعتقدون أن الموقف الأمريكي المستجد هو محاولة للضغط على الاتحاد الديمقراطي، للعودة إلى طاولة المفاوضات مع المجلس الوطني ومنحه فرصة المشاركة في الاستحقاق” مضيفة أن “المراقبين يشيرون أيضاً إلى أن واشنطن لا تريد أن تظهر في ثوب المبارك لخطوات قد ترى تركيا أنها استفزازية”.
وبخصوص احتمال شن عملية عسكرية تركية ضد “الوحدات الكردية” في حال أُجريت هذه الانتخابات، قال الصحافي والمحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع موقع “العربي الجديد“: “تهديدات أردوغان بشأن انتخابات شرقي سوريا جادة، ولا ينبغي التعامل معها باعتبارها مجرد وسيلة للضغط السياسي” مضيفاً أن “تركيا ترى في إمكانية قيام دويلة كردية في شرق سوريا خطاً أحمر، وهي جادة في عزمها القيام بعمليات عسكرية في شرق سوريا في حال مضت قسد بهذه الخطوة”.
وأشار جوناي إلى أن “القلق التركي حيال الأوضاع على الحدود السورية لا يقتصر على حكومة أردوغان فقط، بل هذه القضية تشغل بال المعارضة أيضاً، ومجمل الأحزاب السياسية في تركيا، وإن كانت لديها مقاربة مختلفة بشأن التعامل مع هذه المسألة” لافتاً إلى دعوة زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي إلى تنسيق عسكري مشترك بين تركيا وسوريا ضد “قسد”.
وفيما يتعلق برد فعل “الوحدات الكردية” إزاء التوترات التي تسببت بها هذه الانتخابات، استبعدت معظم التحليلات تراجع الأخيرة عن موقفها، إذ أوضح الباحث السوري الكردي آلان محمود، في حديث لموقع “العربي الجديد” أن “الإدارة الذاتية الكردية في سعيها المحموم للبحث عن تثبيت شرعيتها، والتي هي مدار شك وريبة على الدوام، تسعى لتنظيم هذه الانتخابات التي قد تجلب إلى مناطق سيطرتها ويلات هي بغنى عنها، خصوصاً في ظل عدم وجود توافق كردي محلي على هذه الخطوة، وسط مقاطعة أبرز الأحزاب الكردية لها، والمتمثلة في المجلس الوطني الكردي” مضيفاً أن “قسد باتت الآن في ورطة تقريباً، فلا هي تستطيع التراجع عن هذه الخطوة من جهة، ولا هي قادرة على تحمّل تبعاتها من جهة أخرى، متوقعاً بروز تدخلات خارجية خلال الفترة المقبلة، خصوصاً من جانب الولايات المتحدة، بهدف التوصل إلى حلول وسط تحفظ ماء وجه قسد من جهة، وتُجنب المنطقة أيّ عمليات عسكرية تركية من جهة أخرى”.
بدورها نقلت صحيفة “العرب” عن مراقبين قولهم: “إنه لا يعرف بعد ما يمكن أن يكون موقف الإدارة الذاتية من تصريحات واشنطن، لكن الثابت أن الأكراد سيمضون قدماً في الاستحقاق الانتخابي، إلا إذا كانت الولايات المتحدة ستمارس عليهم ضغوطاً فعلية تجبرهم على التأجيل”.
وتعتزم “الإدارة الذاتية” تنظيم انتخابات بلدية شمال شرقي سوريا على أساس ما تصفه بـ”العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”، الذي أعلنته في 13 كانون الأول 2023.