خاص|| أثر برس تطفو التطورات الميدانية بين ضفتي الفرات على واجهة الأحداث السياسية بعد أن شهدت المنطقة اشتباكات حاسمة هي الثانية من نوعها قبل عام تقريباً بين قوات العشائر العربية و”قوات سوريا الديمقراطية- قسد” الأمر الذي فسرته الأخيرة على أنه موجه ومقصود، ويشكل الجزء المخفي من التوافقات التركية- السورية، لا سيما وأنه الهدف الرئيس لأعمال تركيا العسكرية شمالي سوريا هو استهداف قوات “قسد” في نقاط عدة، كما تتهم هي الحكومة السورية تقديم الدعم المباشر للعشائر العربية.
ومع توسع رقعة الاشتباكات التي بدأت في السابع من آب الجاري، باتت “قسد” تستدرك الهجمات على نقاطها والأراضي التي تسيطر عليها وذلك باستقدام الدعم الأمريكي ومناجاته لتخفيف الضغط عنها، وهو ما جرى بعد سلسلة غارات نفذتها الطائرات الأمريكية كدعم وإسناد لقوات “قسد”، إذ تركزت هجمات العشائر العربية على مناطق واسعة من الضفة الشرقية لنهر الفرات، ومنها منطقة الحوايج، والطيانة، والصبحة، وذبيان، وغرانيج، والباغوز، الأمر الذي أسفر عن خسائر مادية وبشرية لـ”قسد”.
دعم بسلاح استراتيجي
مع توتر المشهد الميداني والقلق الذي تعيشه “قسد” من تخلي القوات الأمريكية عنها، يبدو أن الجانب الأمريكي أوفد إلى “قسد” رسائل طمأنة لها عبر تزويدها بالسلاح، وتدريب قواتها على سيناريوهات محتملة من الهجوم عليها، وهو ما ذكره مصدر ميداني من قوات العشائر (رفض ذكر اسمه) أكد لـ”أثر برس” إجراء الجيش الأمريكي تدريبات عسكرية مشتركة مع “قسد” وذلك في قاعدة حقل العمر النفطي على خلفية التطورات الحاصلة في منطقة الفرات.
وبحسب المصدر الميداني فإنه جرى تدريب قوات “قسد” على مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، والتي غالباً ما تستخدم في مواجهة جيوش بحد ذاتها كمنظومات الدفاع الجوي، وقراءة الإحداثيات والأهداف لترجمتها إلى الدفاعات الجوية، خصوصاً منظومة “أفنجر”.
وأشار المصدر إلى أن المنظومة تعد أبرز منظومات الدفاع الجوي الأمريكي قصيرة المدى وتشكل عنصراً مهماً في ضرب الأهداف الجوية المنخفضة كالمروحيات، والمقاتلات، ويتم تحميلها على مركبات أمريكية من نوع Humvee مزودة بثمانية صواريخ من نوع ستينغر، وموجهة بالأشعة تحت الحمراء، لافتاً إلى أن مدى الصواريخ يصل إلى ثمانية كيلومتر وبسرعة تصل إلى تسعة آلاف كيلومتر في الساعة.
نفي أمريكي وغضب تركي
مع تواتر الأنباء عن تدريب أجرته القوات الأمريكية لـ”قسد” وتسليمها منظومة الدفاع الجوي أفنجر، نفي مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية حقيقة ما جاء بخصوص تدريبات أجراها لـ”قسد” على المنظومة، إلا أن النفي الأمريكي يتعارض مع نية سابقة له أعلن عنها قبل عدة أعوام، إذ نشر موقع “فور بيس” عام 2021 تقريراً أشار فيه عزم الولايات المتحدة نشر منظومة أفنجر في العراق وسوريا، خاصة منطقة دير الزور.
بينما لا يتفق الباحث في الشؤون التركية سركيس قصارجيان، في تصريحه لـ”أثر برس” مع الأنباء المتداولة بنشر هذه المنظومة، إذ يعتقد أن هذا السلاح سيكون موجهاً بشكل مباشر لتركيا، كونها الوحيدة التي تستهدف الميليشيا بالطيران المروحي، وهناك عدد من الوسائل المتاحة بالنسبة لأمريكا مع تركيا أبعد من أن تكون إعطاء “قسد” مثل هذا النوع من السلاح كونه يستهدف تركيا بالدرجة الأولى، ولن تسمح بالتصعيد تجاهها.
قلق من الرد الإيراني
من جانب آخر لا يستبعد الكاتب والباحث في الشؤون السياسية مهند الحاج علي، تزويد واشنطن لـ”قسد” بهذا النوع من السلاح، وذلك في إطار رغبة واشنطن إعادة تثيبت وجودها في المنطقة، وإعادة دعم حلفائها، وفرض وجودها في أي عملية تفاوضية، لا سيما بعد غياب دورها بالتقارب السوري- التركي، وعليه بدأت تلعب خلط الأوراق وتقديم دعم أكبر لـ”قسد” من جهة، و”جبهة النصرة” في إدلب من جهة أخرى.
وكشف الباحث الحاج علي في حديث خاص لـ”أثر برس” عن معلومات استخباراتية حصل عليها بأن واشنطن ما تزال قلقة من الرد الإيراني حتى هذه اللحظة باستهداف قواعدها في سوريا، وعليه تكون منظومة “أفنجر” مناسبة للتصدي للمسيرات الإيرانية التي ستعتمدها في حال جرى استهداف القواعد الأمريكية في سوريا.
ولفت الحاج علي، إلى أن واشنطن استقدمت إلى الجزيرة السورية عشرات الجنود الأمريكيين، وعززت قواعدها في حقل غاز كونيكو، وحقل العمر النفطي، كذلك قاعدة التنف، عدا عن إخراج ما يزيد عن 300 عنصر “داعشي” من سجن الصناعة بدير الزور ومحيط الرقة، ونقلهم لمناطق مجهولة في قاعدة التنف، والتي غالباً يتم استخدامهم في تنفيذ هجمات ضد الجيش على محور البادية.
وفي ظل التطورات ترتفع وتيرة التصريحات السياسية من قبل “قسد” وإطلاق التهديدات للحكومة السورية، وآخرها ما جاء على لسان الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية” إلهام أحمد، والتي خيّرت الحكومة بين قبول “الإدارة الذاتية” أو مواجهة طريق مسدود حسب قولها، ما يشير إلى حصولهم على ضمانات سياسية أمريكية أو منظومة الدفاع الجوي “أفنجر”.
د. أحمد الكناني