أثر برس

لماذا الحديث عن “حل الدولتين”؟

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس البحث في “حل الدولتين” يشبه البحث في “تربيع الدائرة”، كلاهما ممكن نظرياً أو أوَّلياً، ولكنه مستحيل عملياً أو تطبيقياً، بحكم قواعد المنطق بالنسبة للثانية، وميزان المعنى والقوة في الإقليم والعالم بالنسبة للأولى. مع ذلك لا يزال حديث “تربيع الدائرة” و”حل الدولتين” قائماً! لا ضير في ذلك، طالما أن الهدف المعلن هو التوصل إلى حل واحد من أوضح وأعقد الصراعات في العالم اليوم في أن معاً. ولنا عودة إلى هذه النقطة، أي وضوح وتعقيد الصراع، في حيز آخر.

في الأسئلة

أي خطاب حول “حل الدولتين” في الصراع بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، ومن هو المُخاطَب، وفي أي أفق يجري كل هذا الحديث؟ وهل لخطاب “حل الدولتين” مبرراته، أم أن المقصود منه “إحراج” “إسرائيل” التي لا تتحدث عنه ولا تعترف به، ومثلها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وإدارته، والذي سبق له أن دفع بـ”صفقة القرن” بينه وبين “نتنياهو” و”اتفاقات إبراهام” بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية؟

هل الهدف من حديث “حل الدولتين” هو “إحراج” المقاومة نفسها بالقول إن العرب والمسلمين يتحركون في “أفق تسوية” وليس “أفق تحرير واستقلال”؟ أم إظهار حد أدنى من الاستجابة أمام الفلسطينيين، أو تأميلهم بأن ثمة من يحاول فعل شيء، قد يؤدي إلى إنهاء المأساة ويغير -بالسياسة والسلم- ما تفعله “إسرائيل” بالحرب والقتل والموت؟

الفائدة الممكنة؟

لعل الفائدة الممكنة من الحديث عن “حل الدولتين”، أنه تمرين على التخيُّل أولاً، وتمرين على الدفع بعناوين ومبادرات في فضاء يبدو أن للحرب والصراع الكلمة العليا فيه. وهذا مهم في حد ذاته، ولو أن الأمر يذهب أبعد من ذلك. وقد تكون له أغراض أخرى، مثل: التفكير الموازي، والتخيلي، والإيهامي.

التفكير الموازي

له أغراض نفسية مهمة، وله طابع تأكيد على أن الأمر ليس بيد “إسرائيل” وحدها، وأنه ثمة ما يمكن عمله من أجل “إيقاف” أو “احتواء” الصراع. وأن الأمور ليست محض عسكرية. وأنه على “إسرائيل” أن تأخذ بالاعتبار وجود من يفكر بالتعامل مع الموقف بطريقة مختلفة. وتأكيد أن العنف ليس هو الأفق أو الإمكان أو الاحتمال الوحيد للتعاطي مع الصراع. وأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم…إلخ

هذا مهم، ولو أنه غير كاف، باعتبار أن القتل والتدمير والإبادة من قبل “إسرائيل” يتطلب استجابة مختلفة، مثل: الضغط المباشر، والتهديد باتخاذ خطوات وإجراءات، وليس مجرد التنديد أو تقديم المبادرات السياسية.

التفكير التخيلي

هو تحريض فواعل السياسة على تَخَيُّل حل، في ظل صعوبة إنهاء الصراع بالقوة العسكرية والحرب. هذا بحد ذاته مهم، على الأقل إشغال فواعل السياسة وفواعل الحرب عن الحرب نفسها، بأن يخففوا من حدة الخيارات والبدائل التي تتحرك في دائرة العنف والقتل. ثم أن مجرد تخُّيل حل يمكن أن يخفف من اندفاعة الحرب ويدفع لتقبُّل فكرة وجود شعب آخر له الحق في الوجود. الفكرة ليست محض تخيُّل، إذ انها مطروحة منذ مدة بعيدة، وأُدرجت في أجندات أو خطابات ولقاءات…إلخ.

التفكير الإيهامي

وبعض الإيهام يفعل فعل الحقيقة، سواء إيهام العرب أنفسهم بأن طرح فكرة الحل والتسوية ممكن الآن، وأنه قابل للاندراج في الأجندات إلى جانب الصراع والحرب، وأنه السبيل الأفضل للتأثير في الموقف اليوم. أم إيهام الفلسطينيين، بأن العرب يفعلون شيئاً لوقف الحرب والإبادة من قبل “إسرائيل” بل ويذهبون أبعد إلى محاولة طرح مبادرة لـ”حل نهائي”. وسوف نعود إلى هذه النقطة (الإيهام) لاحقاً.

حديث القمم!

تحدثت القِمَم العربية والإسلامية عن حدث غزة، بنوع من التنديد المخفف، بما تفعله “إسرائيل” بحق الفلسطينيين. وتعيد القمم تأكيد مبادرات الحل أو التسوية، كما تتكرر الإشارة، ومن ذلك “حل الدولتين”، هي مبادرة لن تجد في “إسرائيل” شخصاً واحداً يقبل بها. وإذاً ما المراد من كل ذلك؟ وهل هو الاستجابة المناسبة حيال ما يحدث؟

الجواب من منظور المقاومة الفلسطينية هو بكلمة واحدة: لا. إذ لماذا عودة الحديث عن فكرة ترفضها “إسرائيل” بالتـمام، وهي (أي إسرائيل) منخرطة فيما يعاكسها بالتمام أيضاً. وكيف الحديث عن “حل الدولتين” في وقت يتحدث “الإسرائيليون” فيه، ومعهم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، عن أن “إسرائيل” باتت ضيقة بالمعنى الجغرافي، وربما يجب توسيعها. والتفسير أو المقتضى العملي الأقرب لذلك هو المزيد من “القضم” و”الابتلاع” للضفة الغربية، وربما “ضم أراض” من جنوب لبنان وسيناء المصرية وغيرها.

لكن الجواب، من منظور أصحاب المبادرة نفسها، هو أيضاً بكلمة واحدة: نعم، إذ إن التسوية -من هذا المنظور- هي الأفق الممكن أو المعقول والمقبول للصراع، وأن العرب والمسلمين ليسوا في وارد الذهاب أبعد من ذلك. بل لعلهم يعدون التسوية ممراً إجبارياً وحصرياً تقريباً في التعامل مع الواقع.

القصدية والاضطرار!

يبدو أن حديث “حل الدولتين”، هو أمر قصدي من جهة، واضطراري إكراهي من جهة مقابلة. قصدي بمعنى أن أصحابه يريدون القول إنهم مع الحل والتسوية وليس المقاومة، مهما كانت نتائج الحرب الدائرة اليوم، ومهما كانت توجهات المقاومة الفلسطينية وحتى مدارك وتوجهات اليمين المتطرف في “إسرائيل”.

واضطراري، بمعنى أن عليهم أن يطرحوا شيئاً ما أمام شعوبهم وأمام الرأي العالم العربي والإسلامي. وأن يدفعوا عن أنفسهم حرج “اللا مبالاة” حيال ما يحدث في غزة. والصحيح أن الهدف هو التغطية على “التوافق الموضوعي” بينهم وبين “إسرائيل” لـ”تفكيك” المقاومة الفلسطينية. يقول هؤلاء في تبرير موقفهم المناهض للمقاومة في غزة: أن المقاومة جزء من مشروع “الحرس الثوري” و”فيلق القدس”، وفي أفق الرؤية الإيرانية للمنطقة، وهذا يقتضي -من هذا المنظور- الوقوف ضدها.

خيارات مفارقة!

ثمة ما يتم الحديث عنه بإصرار و”عَدِّهِ صالحاً” لمجرد أن فواعله تَعُدُّه كذلك، أو تَعُدُّه ضرورة بمعنى ما، والأمر هنا لا يتعلق بالجدوى الراهنة أو الإمكانية الاحتمالية المستقبلية لتحقيق فكرة أو مبادرة “حل الدولتين”. ومن الواضح أن الهدف من المبادرة لا يقف عند وقف الحرب بذاتها، بقدر ما أنه محاولة لـ”احتواء” أو “تفكيك” حركية تعدها الأطراف جزءاً من رهانات متطرفة، قد تكون مبررة فلسطينياً، لكنها غير مبررة عربياً وإسلامياً، والمقصود هنا هو الخط الواسع من الدول العربية والإسلامية، وقد تمثل عقبة من منظور فواعل السياسة في الإقليم والعالم.

في الختام،

يبدو خطاب “حل الدولتين”، خطاباً مفارقاً، في لحظة فَارِقَة. مرة أخرى، الخطاب ليس جديداً، لكن طرحه اليوم في لحظة احتدام غير مسبوقة في الصراع، يشبه في جانب منه العمل على “تربيع الدائرة”!

الدكتور عقيل سعيد محفوض 

اقرأ أيضاً