زياد غصن || أثر برس إلى جانب ما كتب وقيل عن ظاهرة “تمزيق” الكتب والدفاتر أمام المدارس العامة مع انتهاء العام الدراسي، من حيث الإساءة للمظهر الحضاري والتسبب بزيادة التلوث البيئي، فإن للظاهرة بُعد اقتصادي خطير يتمثل في خسارة مالية كبيرة تتكبدها الخزينة العامة جراء طباعة هذه الكتب التي تكون نهاية بعضها في حاويات القمامة وأكياس النباشين، وليس إعادتها إلى مستودعات المدارس ومديريات التربية بغية إعادة استخدام المناسب وبيع التالف منها لسد جزء من تكاليف طباعة الكتب الجديدة في ضوء الظروف والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد حالياً.
وللعلم فإن جميع مستلزمات العملية الطباعية من أحبار، بلاكات وورق، وغير ذلك مستوردة. وتالياً فإن تكلفة كل نسخة كتاب مدرسي أو جامعي يتم طباعته تتطلب إنفاقاً بالقطع الأجنبي بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا يؤشر إلى ماهية الخسائر المادية المترتبة على هكذا ظاهرة، والأهم المعاناة التي تواجه عمليات استيراد المستلزمات الطباعية وعمليات الطباعة والنقل والتوزيع.
ومع أنه لا توجد دراسة تربوية، منشورة على الأقل، تتضمن مؤشرات إحصائية عن عدد نسخ الكتب التي يتم “تمزيقها” ورميها في الحاويات سنوياً أو التي لا يتم تسليمها من قبل الأهل بعد انتهاء العام الدراسي، فإنه يمكن تلمس حجم الخسائر المالية من خلال الوقوف على وسطي التكلفة التقديرية لطباعة النسخة الواحدة من الكتاب المدرسي، والتي تبلغ حسب تقديرات بعض خبراء الطباعة ما بين 50-60 ليرة للصفحة الواحدة، وعليه فإن كلفة طباعة كتاب مدرسي عدد صفحاته حوالي 130 صفحة تصل إلى حوالي 7 آلاف ليرة. وإذا اعتبرنا أن المنهاج الدراسي للطالب يتضمن فقط 13 كتاب، فهذا يعني أن نسخة كل طالب تكلف أكثر من 91 ألف ليرة.
أكثر من ذلك، فإن بيانات قطع الموازنة العامة للعام 2022 تكشف أن المؤسسة العامة للطباعة تلقت دعماً مالياً من الخزينة العامة قدره حوالي 46.3 مليار ليرة للقيام بمهمتها في طباعة الكتاب المدرسي وتوزيعه، وهو مبلغ يشكل ما نسبته حوالي 32% من إجمالي مساهمة الدولة في النشاط الاقتصادي للعام 2022، حيث جاءت المؤسسة العامة للطباعة في المرتبة الثانية من حيث قيمة الدعم المقدم لها بعد المؤسسة العامة للصرف الصحي.
وعلينا في ضوء البيانات السابقة أن نتخيل حجم الهدر التي تتسبب به هذه الظاهرة، فمثلاً لو اعتبرنا أن نسبة ظاهرة “تمزيق” الكتب المدرسية أو ما يتم إتلافه من قبل الأهل أو ما يتم بيعه للنباشين لا تتجاوز 1% من عدد النسخ الموزعة على الطلاب، والتي يمكن تقدير عددها بحوالي 35 مليون نسخة، فهذا يعني أن حوالي 350 ألف نسخة كتاب مدرسي، أي ما قيمته حوالي 2.5 مليار ليرة إذا كان وسطي سعر نسخة الكتاب الواحد هي فقط 7 آلاف ليرة.
كل هذا يفرض أن تعتمد وزارة التربية إجراءات جديدة تضمن استعادة مدارسها ومديريات التربية لجميع الكتب المدرسية الموزعة مجاناً أو المباعة للمدارس الخاصة، بحيث يتم تصنيفها تبعاً لحالتها وإمكانية إعادة توزيعها على الطلاب في العام القادم بغية سد النقص الحاصل خاصة مع ارتفاع كلف مستوردات مستلزمات العملية الطباعية ومحدودية الموارد المالية المتاحة. وأنا مع تحذير الأهالي مع بداية العام الدراسي القادم أن عدم تسليم أولادهم النسخة المسلمة لهم في نهاية العام الدراسي من شأنه أن يترتب عليهم دفع غرامات مالية وتطبيق ذلك بالفعل. كما أنه على الجامعات مسؤولية اجتماعية واقتصادية في هذا المجال من خلال تشجيع الطلاب على تسليم الكتب التي لديهم بعد انتهاء العام الدراسي ليصار إلى توزيعها مجاناً على الطلاب الذين لا تتيح لهم أوضاعهم الاقتصادية شراء نسخ جديدة من المقررات الدراسية.