خاص|| أثر برس أكد الكثير من أهالي دمشق وريفها لـ “أثر” انتشار حالة من عدم الرقابة والمتابعة المطلوبة للأسواق، الأمر الذي يعكس حالة من الفوضى والعشوائية في المخالفات والتجاوزات، وكذلك الاحتكار العلني للمادة، وخاصة مع اقتراب افتتاح العام الدراسي الجديد، بالإضافة إلى ازدياد الطلب على بعض المواد جراء حلول موسم “المونة” حيث الأسعار الجنونية التي تتصاعد بين الفينة والأخرى.
تفاوت ملحوظ بالأسعار
خلال جولة لمراسلة “أثر” على عدد من الأسواق، أكد مرتادوها أن الأسعار ارتفعت بشكل مفاجئ، حيث تبقى الأسئلة معلّقة لديهم دون إجابات، مضيفين: “رغم استقرار سعر الصرف منذ فترة ليست بالقليلة على حد معين، تشهد الأسعار في الأسواق ارتفاعاً ملحوظاً بجميع أصناف السلع والمواد ومسمياتها”.
مجموعة من السيدات اللواتي قصدن السوق لشراء بعض الاحتياجات المدرسية لأبنائهن، أشرن إلى أن سعر الحقيبة المدرسية العادية يبدأ من 150 ألف ليرة، وهذا النوع سيئ، في حين تتراوح أسعار الحقائب ذات النوعية الوسط بين 200 – 250 ألف ليرة، وهناك الحقائب ذات الماركات التي تتجاوز أسعارها الـ 400 و500 ألف ليرة، وما فوق.
وبالنسبة لأسعار الملابس المدرسية، فسجلت أسعارها أرقاماً متفاوتة، حيث تبدأ من 450 ألف ليرة للأنواع العادية، فيما يتراوح سعر القميص المدرسي ذي النوعية العادية بين 100- 200 ألف ليرة، في حين وصل سعر البنطال إلى 250 ألف ليرة وما فوق، ناهيك عن أسعار القرطاسية التي تثقل كاهل الأهالي، إذ وصل سعر الدفتر 200 ورقة سلك إلى 30 ألف ليرة، والدفتر 100 ورقة من النوع نفسه إلى 17 ألف ليرة، والأقلام تراوحت ما بين 5 آلاف ليرة، و7 آلاف ليرة، وغيرها الكثير من الاحتياجات الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، إلا أن أسعارها تضاهي التوقعات والإمكانيات.
لا ناظم لها
أسئلة كثيرة وإشارات استفهام تبدو عناوين بارزة لحال وواقع المشهد اليومي للأسواق وحركة التسوق هنا وهناك في مختلف الأسواق، في المناطق والأحياء سواء نظامية كانت أم عشوائية، في ظل عدم وجود قانون لمحاربة الاحتكار، ما يخلق حالة من التباين في الأسعار بين سوق وآخر، وحتى بين بائع وآخر في نفس السوق والمنطقة ذاتها، ولنفس السلعة، فكيف يحدث ذلك وكيف يمكن تحديد تكلفة سعر السلعة وهامش الربح المناسب لهذه التكلفة.
هل هو الاحتكار؟!
يُرجع مختصون، وأساتذة جامعة وباحثون اقتصاديون مشكلة ارتفاع الأسعار رغم استقرار سعر الصرف إلى الاحتكار، الذي هو عدو الاقتصاد كما يصفه الدكتور غسان إبراهيم من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، حيث يقول لـ “أثر”: “المشكلة بسياسات العرض، فليس لدينا إنتاج، وإن كان لدينا إنتاج هناك الاحتكار، ولدينا القمح والزيت والقطن، وغير ذلك، وهي من أغنى السلع في سوريا، فلماذا نذهب لسياسات الطلب، ونحن بلد زراعي، لكن إنتاجنا الزراعي أصبح في تراجع، ويجب دعمه بالشكل المطلوب، حيث إننا سلمنا بعدم قدرتنا على دعم الصناعي “.
تدخّل وعرقلة
بدوره، الدكتور والباحث الاقتصادي عابد فضلية يوضح لـ “أثر” أن أهم المواد الغذائية لاسيما المستوردة، ومواد البناء لا سيما المستوردة منها أيضاً، هي “محتكرة منذ السبعينات حتى الآن، وهذا ما يؤكد أن هناك احتكاراً واضحاً”، متابعاً: “إضافة إلى ذلك هناك نوع من التدخل وأحياناً العرقلة، لذا مطلوب وجود العقلنة في التدخل، بلد زراعي، والزراعة هي أمننا وأماننا، أي أن الزراعة هي القطاع الأساسي، فالقطاع الزراعي أولاً، والقطاع الزراعي الصناعي التحويلي أولاً وثانياً، والقطاع الزراعي الصناعي التحويلي التجاري أولاً وثانياً وثالثاً، والباقي هامشي، فصناعتنا التحويلية مدخلاتها من قطاع الزراعة والمخرجات للصناعة التحويلية أيضاً من الزراعة”، مشيراً إلى أنه في حال زادت التكاليف زادت الأسعار وبالتالي زاد التضخم.
غياب التكاليف
بالمقابل نفتقد في جانب من الجوانب إلى تحديد التكلفة الحقيقية للسلعة، أي غياب دراسة التكاليف الحقيقية والجدية، حيث لا يوجد مؤسسة عامة لديها شيء اسمه احتساب تكاليف، وينوه الدكتور حسين دحدوح عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق: “إننا نعاني من مشكلة تحديد التكلفة، لا سيما في المواد التي يتم الحديث عن دعمها، فالتكلفة أساس تحديد قيمة الدعم، فمثلاً في موضوع دعم الخبز لتحديد سعر ربطة الخبز والتحول للدعم النقدي، تم تكليف موظفين من وزارة التجارة الداخلية فقط، وهؤلاء أجروا حساباتهم بعيداً عن المشاورات مع الجهات الأخرى، وأدخلوا عوامل يجب ألا تدخل ، وطبقوا أسعار السوق، فالمازوت مثلاً تم حساب سعره كما هو في السوق السوداء، أو طبقوا سعر الصرف، حيث لم توجد آلية احتساب واضحة، فيما يجب أن يكون هناك جهات عدة مسؤولة عن اتخاذ مثل هكذا قرار، على أن يكون هناك بيانات دقيقة وشفافة، وهذه الجهات هي التي تقوم بدراسة هذه التكاليف لتحديد استخراج التكلفة الحقيقية”.
الإقبال محدود.. لكنهم مرغمون
عدد من باعة المستلزمات المدرسية أكدوا لـ “أثر” أن الواقع يشهد عزوفاً نوعاً ما على الإقبال لشراء المستلزمات المدرسية، وحتى الآن ما زال محدوداً، متابعين أن “الوضع لا مفر منه، وسيضطر الأهالي للشراء مرغمين لأن الواقع والظروف الحالية تجبرهم على ذلك”، مبررين ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية لهذا الموسم بارتفاع تكاليف الإنتاج من صناعة ونقل وأجور عمال ومحلات، لافتين إلى وجود انفلات وفوضى بالسوق وبالأسعار، وخاصة تلك التي تعد صناعة محلية.
تعديل التكاليف
من جهة أخرى، فإن ارتفاع الأسعار طال مختلف السلع والمواد والمستلزمات، منها مثلاً أسعار المأكولات الشعبية والمشروبات، وهناك دراسة لتعديل أسعارها بما يتوافق مع ارتفاع تكاليف معظم المواد الأولية، التي تقدر بـزيادة 70%، في ظل عدم التقيّد بالأسعار المعلنة الرسمية المحددة، ويبرر أصحاب المطاعم عدم التزامهم بالتسعيرة كونها لم تعد منصفة لهم.
من جهته، مصدر في محافظة دمشق أكد أن لجنة تحديد الأسعار في المحافظة رفعت أسعار عدد من الخدمات التي تقدمها المقاهي وصالونات الحلاقة ومغاسل السيارات وغيرها، وتراوحت أسعار المشروبات في المقاهي بين 5500 و7500 ليرة سورية، والنرجيلة بين 14 ألفاً و16 ألف ليرة.
وتراوحت تعرفة قص الشعر للرجال بين 10 آلاف و25 ألف ليرة، وحلاقة الذقن بين خمسة آلاف و15 ألف ليرة، في حين بلغت تعرفة الخدمات في صالونات الحلاقة النسائية بين 15 ألفاً و45 ألف ليرة، كما حددت اللجنة، أجور خدمات غسل السيارات بين 20 ألفاً و125 ألف ليرة، تبعاً لحجم السيارة ونوع الخدمة، كذلك تم تحديد أجرة تصوير المستندات بين 250 ليرة إلى 500 ليرة.
ورغم تحديد الأسعار مازلنا نلمس تفاوتاً في أسعار السلع على اختلاف أنواعها، وذلك بين محل وآخر، وسوق وآخر، ناهيك أن أسعار المواد غير مستقرة في المولات، ولا تخضع لقوائم تسعير واضحة، الأمر الذي يبقي المرتاد إلى المولات في حيرة من أمره، ناجم عن وجود فروقات واضحة في الأسعار للسلعة ذاتها من حيث الجودة والمواصفات.
التسعير على أسس مناطقية
مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أكد لـ “أثر” أن عمليات التسعير عادة ما تخضع لـ “أسس مناطقية” وخاصة في المولات، وهذا ليس مخالفاً للقانون السوري لأن التجارة تخضع لقانون العرض والطلب والقوة الشرائية، منوهاً بأن “عناصر حماية المستهلك تتابع نشرات الأسعار في الأسواق من حيث التسعير المركزي، إذ يتم دراسة أسعار المواد الأساسية مركزياً، بعد ذلك تخضع للتسعير المكاني والذي يتم عبر مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات، والتي تستند إلى احتساب التكاليف بما يتناسب مع نوعية المادة سواء أكانت منتجة محلياً أم مستوردة، وهذا النوع من التسعير خاص بكل منتج، إضافة إلى ذلك يتم الاحتساب حسب المنطقة والفئة المستهدفة من المستهلكين”.
لينا شلهوب ــ دمشق وريفها