خاص|| أثر برس يعيش كيان الاحتلال قلقاً سياسياً، وأمنياً، وعسكرياً، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في حادثة تعد الأكثر استفزازاً وانتهاكاً لسيادة الدول، إذ سبب اغتيال هنية حرجاً أمنياً وسياسياً لطهران، تعهدت بسببه الرد على الحادثة وسط أجواء من الترقب والحذر حول طبيعة هذا الرد.
ومع القلق الإسرائيلي يبدو التوتر الأمريكي واضحاً بعدما أبلغ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، نظراءه من دول مجموعة السبع بأن واشنطن تعتقد أن هجوماً إيرانياً على “إسرائيل” قد يبدأ خلال 48 ساعة، بحسب تقارير إعلامية مطلعة على المكالمة، إذ ترى واشنطن أن الضربة الإيرانية، هي أمر لا مفر منه بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي بحركة حماس، وفؤاد شكر، المسؤول في حزب الله، وعليه يتوجب على كافة الأطراف الضغط على طهران للحد من هجومها كأفضل طريقة لتجنب الحرب الإقليمية، ما يطرح العديد من التساؤلات حول شكل الرد الإيراني وطبيعته.
مراكز استراتيجية وعمليات تشويش
يعتقد الكاتب والباحث في الشؤون السياسية من بيروت ربيع غصن، أن الرد الإيراني سيكون قاسياً ومختلفاً عن ضربة “الوعد الصادق” التي جاءت على خلفية استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق قبل أشهر، إذ أن اغتيال ضيف دولة بحجم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، واختراق السيادة بضربة عسكرية، لا يستوجب إلا رداً يوازي حجم الاعتداء الصهيوني، وعليه ستلجأ إيران إلى تنفيذ أهدافاً أكثر عمقاً من التي استهدفتها في “عملية الوعد الصادق” حيث تركزت الأهداف سابقاًعلى قواعد الدفاع الجوية الإسرائيلية كقاعدة “نيفاتيم” جنوبي فلسطين المحتلة، وعليه ربما تختلف الأهداف وتكون ضربات مركزة على المراكز السياسية والاستراتيجية على طول الساحل الفلسطيني، وفي “الداخل الإسرائيلي”.
وحول توقيت الرد الإيراني أشار الباحث غصن في حديثه لـ”أثر برس” إلى أن الرد الإيراني سيكون في أوقات قريبة جداً وربما خلال الساعات القادمة، وسيتم وفق تكنيك المباغتة، وقد يسبقه عمليات تشويش إلكترونية، خاصة بعد أن استقدمت إيران قبل أيام منظومة Murmank-BN الروسية، التي تعمل على تعطيل الترددات التي تُستخدم للتواصل ونقل المعلومات بشكل أساسي بين الأقمار الصناعية والمقاتلات والقطع البحرية وبالأخص مقاتلةF 53، عدا عن أن طهران ستستغل الوضع سريعاً قبيل وصول المساعدات الأمريكية البحرية للكيان من حاملات للطائرات.
تنسيق عال وخيارات مفتوحة
يختلف العميد الركن الدكتور هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث مع الكاتب اللبناني ربيع غصن حول توقيت الرد، إذا يرى د. جابر أن الرد الإيراني ليس بالضرورة أن يحدده إطاراً زمنياً واضحاً لاستهداف “إسرائيل” إلّا أنه يتفق معه بأن الرد سيكون مؤلماً ولكن غير شامل على حد تعبيره.
وحول بنك الأهداف المفترض أشار العميد في تصريح خاص لـ”أثر برس” أن الرد الإيراني سيكون رباعياً من عدة محاور، حيث تسخر المقاومة اليمنية كل الإمكانات العسكرية لديها للرد خاصة بعد استهداف ميناء الحديدة قبل أيام من قبل العدو الإسرائيلي، يضاف إليه المقاومة اللبنانية في حزب الله، والفصائل المتواجدة في العراق، وكذلك في الداخل الفلسطيني، لافتاً إلى أن الرد قد يكون متتابعاً وبشكل متواتر وليس على دفعة واحدة.
ويستبعد الخبير العسكري أن تتجه الأهداف الإيرانية إلى حالة التصعيد الكبير ضد كيان الاحتلال كاستهداف ميناء حيفا، أو المراكز الحيوية، وذلك تجنباً لحدوث تصعيد شامل والانجرار إلى حرب في المنطقة، وعليه ستعمل إيران بذكاء في آلية الرد، وهو ما يؤخرها بسبب عملية التنسيق عالية المستوى الخاصة بطبيعة الرد والنقاط المستهدفة.
عمليات أمنية
يشير الباحث في الشؤون السياسية ربيع غصن إلى أنه من المحتمل جداً تنفيذ عملية أمنية دقيقة في “الداخل الإسرائيلي” وذلك استناداً إلى منظومة الرصد الدقيق التي يمتلكها حزب الله في “الداخل الإسرائيلي”، وبالتالي تمتلك طهران القدرة على تنفيذ عمليات أمنية لشخصيات عسكرية وسياسية صهيونية، وعليه من الواضح جداً الدور الذي سيقدم حزب الله في الرد الإيراني على الكيان، عدا عن عمليات التشويش على القبة الحديدية، ومنظومات الداع الجوي “مقلاع داوود” و”حيتس”.
كما يمكن في سيناريوهات الرد إشعال الجبهات الداخلية للكيان في الضفة الغربية، إذ أفادت تقارير بأن “الجيش الإسرائيلي” أرسل تعزيزات إلى المستوطنات الإسرائيلية الوسطى المتاخمة للضفة الغربية في منطقة “هاشارون”، وذلك خوفاً من تكرار سيناريو السابع من أكتوبر، وعليه جميع الخيارات متاحة وهو ما يربك العدو الإسرائيلي بسيناريوهات الرد.
“رد إسرائيلي” محتمل
يستبعد العميد هشام جابر، أن تكون “ردود الفعل الإسرائيلية” عنيفة، كون الأمريكيين حذروا “إسرائيل” من تبعات هكذا ردود التي يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة، وتدحرج الأوضاع للأسوأ، كونهم ليسوا في هذه الفترة بوارد الدخول بصراعات عسكرية بمنطقة الشرق الأوسط، وعليه تشير التقديرات إلى أنه حتى إيران لن تسعى لتنفيذ ضربات شاملة على الكيان.
فيما يخالف هذا الرأي الباحث في الشؤون السياسية ربيع غصن، إذ يرى أن “الرد الإسرائيلي” في حال أقدمت طهران على هجماتها سيكون عنيفاً على الرغم من قلة التحليلات الواردة بهذا الخصوص، لافتاً إلى أن ما يؤكد ذلك اغتياله للشهيد هنية في طهران وليس في قطر، كما اغتال الشهيد فؤاد شكر في بيروت، ما يدل على أنه يتخذ كافة الاحتمالات للتصعيد الشامل في المنطقة.
لا شك أن الرد الإيراني قادم لا محالة، وهو ما تلتزم به السياسة الإيرانية في حل مسائل أمنها القومي، إلا أن خصوصية الحدث تستوجب رداً لم يسبق أن نفذته طهران، عدا أن توقيت اغتيال “هنية” جاء بعد ساعات من اغتيال فؤاد شكر المسؤول البارز لحزب الله، وقبله بأيام تم استهداف ميناء الحديدة في اليمن، وعليه يبدو أن دول المقاومة تتحضّر لرد مشترك على “سلسلة الضربات الإسرائيلية”، إلّا أن كافة الطروحات لا تشير إلى وصول التصعيد لذروته وضربات شاملة للكيان، أو الانجرار لحرب شاملة.
د. أحمد الكناني