خاص || أثر برس وافق الاتحاد الأوروبي في 20 أيار الجاري على رفع العقوبات عن سوريا، بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الأمريكي رفعه العقوبات الأمريكية عن سوريا.
الأوساط الاقتصادية في سوريا رحبت بقراري رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية، وبناء عليه فتح “أثر” الملف لمعرفة أثر رفع العقوبات الأوروبية وما اختلافها عن الأمريكية.
نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة حماه والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن محمد، أكد لـ “أثر” أن رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية معاً يُشكّل نقطة تحوُّل لاقتصاد سوريا المنهك، عبر دمجها في النظام المالي العالمي، وجذب الاستثمارات، وإنعاش القطاعات الحيوية، ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة، مثل ضرورة إصلاح البنية التحتية وضمان الشفافية لتحقيق استقرار طويل الأمد.
وأوضح الدكتور محمد أن مفاد العقوبات الأوروبية السابقة، شملت حظر استيراد النفط السوري، وتجميد أصول النظام وقياداته، وعقوبات فردية على 270 شخصاً و72 كياناً -بحسب بعض الاحصائيات- مرتبطين بالنظام السابق، تشمل حظر سفر وتجميد أصول.
العقوبات الأمريكية أكثر تأثيراً:
وشرح الدكتور محمد أن الاختلاف بين العقوبات الأوروبية والأمريكية، يكمن في أن العقوبات الأمريكية ركزت على قطاعات محددة (النفط، المصارف)، وشملت حظراً اقتصادياً شاملاً بموجب قانون “قيصر” (2020)، وعقوبات ثانوية على المتعاملين مع النظام السابق، ورُفعت تدريجياً مع إبقاء عقوبات فردية، وبعضها يحتاج تصويت الكونغرس للإلغاء (مثل قانون قيصر).
أما العقوبات الأوربية: استُخدمت كأداة ضغط سياسي لإجبار النظام السابق على تغيير سلوكه، أي يمكن القول: العقوبات الأمريكية أكثر تشدداً وتأثيراً على الاقتصاد الكلي، بينما الأوروبية أكثر استهدافاً للنخبة ومرنة في التعديل حسب السياق السياسي.
ويرى أن رفع العقوبات الأوروبية تؤدي أولاً: لإنهاء العزلة المالية، من خلال إعادة دمج المصارف السورية في النظام المالي العالمي، وإنهاء تجميد أصول المصرف المركزي، مما يسهل تدفق العملات الأجنبية واستئناف المعاملات الدولية.
ثانياً: تحفيز القطاعات الاقتصادية، من خلال فتح مجالات الاستثمار في الطاقة والنقل وإعادة الإعمار، مع تخفيف القيود على التعاملات المصرفية وتصدير السلع الأساسية، أما ثالثاً: دعم الاستقرار الاجتماعي، وفق تحسين سعر صرف الليرة السورية، وتوفير فرص عمل عبر مشاريع إعادة الإعمار، مما يسهم في تقليل الفقر والهجرة.
رابعاً: شروط مرنة: إمكانية إعادة فرض العقوبات، إذا لم تحترم الحكومة الانتقالية حقوق الأقليات أو تتجه نحو الديمقراطية.
التأثيرات الاقتصادية لرفع العقوبات الأمريكية والأوروبية:
أما التأثير المشترك لرفع العقوبات الأمريكية والأوروبية على الاقتصاد السوري، تبعاً للدكتور محمد، تتمثل في تعزيز الثقة الاقتصادية، من خلال تحسن فوري في سعر الليرة السورية (بنسبة 23% بعد إعلان رفع العقوبات الأمريكية)، وثانياً بجذب الاستثمارات الخارجية عبر فتح الباب أمام شركات أجنبية للدخول في قطاعات الطاقة، النقل، والتطوير العقاري، وثالثاً بإنهاء العزلة الدولية، وبالتالي إعادة سوريا إلى الخريطة المالية العالمية، وتمكينها من التعامل مع مؤسسات مثل البنك الدولي.
كما لها تأثير على تسهيل إعادة الإعمار، وهنا يشرح د.محمد أن ذلك يتحقق بتدفق الأموال من دول الخليج (كقطر والسعودية) لدعم المشاريع التنموية، وأخيراً: تحسين السيولة النقدية من خلال رفع الحظر عن المعاملات المصرفية يسمح للسوريين في الخارج بتحويل الأموال بسهولة
مفترق طرق اقتصادي:
الباحث والخبير الاقتصادي محمد السلوم أوضح لـ “أثر” أن سوريا تعيش مفترق طرق اقتصادي، هو الأهم منذ أكثر من عقد، وذلك مع توالي قرارات رفع أو تخفيف العقوبات عنها من قِبل أبرز التكتلات الغربية، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى بريطانيا وسويسرا وكندا.
وشكّل القرار الأميركي الأخير بإصدار الترخيص العام رقم 25، نقطة تحول نوعية في مسار العقوبات التي كانت مفروضة على سوريا منذ عام 2011، لا سيما أنه شمل الحكومة السورية الجديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع ووزرائه، ومؤسسات حيوية مثل المصرف المركزي وشركة النفط السورية، ومصارف وشركات عمومية كانت سابقًا محظورة تمامًا، وفقاً لسلوم.
ويرى أن هذا القرار، إلى جانب قرارات مشابهة من بروكسل ولندن وأوتاوا، يضع الاقتصاد السوري أمام نافذة غير مسبوقة للعودة إلى الأسواق الدولية واستعادة الروابط المالية والمصرفية.
ويعتقد أن جوهر هذا التحول يكمن في رفع الحظر عن القطاعات الأكثر شراسة في الاستهداف على مدار سنوات الحرب: القطاع المالي، والنفطي، والنقل الجوي، والتجارة الخارجية.
وتابع شارحاً: منع التعامل مع مصرف سوريا المركزي، أو استخدام نظام سويفت لتحويل الأموال منه وإليه، من أكبر العوائق التي شلّت القطاع المصرفي السوري، وحوّلته إلى شبكة داخلية معزولة لا تتصل بالنظام المالي العالمي.
اليوم، وبموجب الترخيص الأميركي الجديد، تعود البنوك السورية، بما فيها البنك المركزي والمصرف الصناعي والبنك التجاري السوري. إلى قابلية التراسل مع البنوك الأجنبية في حدود معينة، وإن كانت لا تزال مشروطة بقيود الامتثال والتدقيق، بحسب السلوم.
وتوقع أن ينعكس هذا الانفتاح إيجاباً على عمليات التحويل المالي، والتمويل التجاري، وفتح الاعتمادات المستندية، وهي أدوات كانت محرومة على التجار والمستوردين السوريين لعشر سنوات مضت.
وأكمل: أما في قطاع الطاقة، فإن السماح بالتعامل مع الشركة السورية للنفط ومصفاة بانياس والشركة العامة للنفط يفتح الباب لاستئناف بعض النشاطات في مجال التكرير والتصدير، وربما التعاقد مع شركات خدمات نفطية أجنبية في حال توفرت الضمانات القانونية.
ولفت إلى أن شمول “الخطوط الجوية السورية” ضمن الكيانات المسموح بالتعامل معها، يعني إمكانية استعادة جزء من النشاط في مجال الطيران المدني، وفتح خطوط جوية جديدة أو التفاوض على تحديث الأسطول والخدمات الأرضية.
أكثر شمولاً:
وأرجح السلوم أن الفارق الأساسي بين العقوبات الأوروبية السابقة والأميركية، أن العقوبات الأميركية كانت أكثر شمولاً وتعقيدًا بسبب ما يسمى “الأثر العابر للحدود”، حيث كانت تمنع حتى الشركات الأوروبية من التعامل مع كيانات سورية إذا كانت تستخدم الدولار أو النظام المالي الأميركي.
أما الآن، فإن الترخيص رقم 25 يسمح بإجراء معاملات بالدولار ضمن حدود معينة، ما يجعل مفاعيله أكثر عمقًا وسرعة من القرار الأوروبي الذي كان يقتصر في بعض جوانبه على تسهيلات إنسانية أو تخفيف رمزي، تبعاً لسلوم.
وتابع: أما على مستوى التوقيت، فإن الأثر الاقتصادي لهذه القرارات لن يظهر فوراً، بل يحتاج إلى عدة أشهر على الأقل، حتى تعيد الشركات والبنوك العالمية تقييم مخاطر الامتثال، وتشرع في بناء شراكات تدريجية.
وأرجح أنه لا بد من إعادة تأهيل القنوات المصرفية، وتجهيز المنصات التقنية للامتثال، وتوقيع مذكرات تفاهم جديدة بين المصارف السورية ونظيراتها في الخارج، كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لن تعود قبل الحصول على ضمانات قانونية واستقرار سياسي واقتصادي نسبي.
مرحلة “إعادة وصل”:
قال السلوم: تبدو المرحلة المقبلة في سوريا أشبه بـ”إعادة وصل” تدريجية لشرايين الاقتصاد المعزول مع المنظومة العالمية، وهي فرصة تاريخية إذا ما أحسن استثمارها ببيئة قانونية شفافة، وتشريعات مرنة، وحوكمة فعالة تعيد بناء الثقة المفقودة.
“فالتخفيف الأميركي الأوروبي لا يعني فقط انفتاحاً مالياً، بل يحمل إشارة قوية إلى بدء مرحلة جديدة من الانخراط الدولي في إعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس أكثر توازناً”، بحسب ماختم به الباحث سلوم.
يذكر أن قراري رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية لاقيا ترحيباً عربياً ودولياً وأممياً كبيراً، ما يعكس أهمية القرارين لسوريا على المستويين الاقتصادي والسياسي.