خاص|| أثر برس بعد مرور عام وستة أشهر على حالة الحراك الشعبي ضد “أبو محمد الجولاني” متزعم “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وحلفائها)” في إدلب، تصاعدت التوترات في المنطقة وانتقل المشهد إلى المواجهات المسلحة بين المنتفضين وعناصر “الجهاز الأمني” التابع لـ”الهيئة”، وواجه “الجولاني” تصاعد المظاهرات باستخدام القوة ضد المتظاهرين والعمل لتفريقهم بإطلاق النار عشوائياً، وتنفيذ حملات اعتقال بحقهم.
“الجولاني” حاول تبرير موقفه:
وُصف هذا الحراك وما نتج عنه من مواجهات واشتباكات بين المتظاهرين والأمنيين التابعين لـ”الهيئة”، بأنه “أخطر الانعطافات” التي يواجهها “الجولاني” داخل مناطق سيطرته.
وحاول “أبو محمد الجولاني” خلال اجتماعه مع وجهاء المناطق في إدلب، تبرير استخدام القوة ضد المتظاهرين، بأنها تهدف إلى “منع إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها”.
لكن تبرير “الجولاني” لم يُقنع الأهالي في المناطق التي يسيطر عليها، إذ بدا المشهد أكثر تعقيداً مع دخول “جماعات إرهابية” مناهضة لـ”الجولاني” على خط الحراك، ما تسبب بتحوله إلى عمل مسلح ضد “الأمنيين” التابعين لـ”الهيئة”، وتم اغتيال المسؤول الأمني في “الهيئة” المدعو “مصطفى سيو” والمعروف بـ”أبو عمر سيو” في مدينة جسر الشغور، وذلك بعد اغتيال عنصرين من “الهيئة”.
إصلاحات بعيدة عن مطالب أصحاب الحراك:
المستجدات الأخيرة دفعت “حكومة الإنقاذ” التابعة لـ”الهيئة” إلى التدخل وتقديم جملة من الإصلاحات، التي وصفها الأهالي بأنها “صعبة التحقق ولا تلبي المطالب التي خرج المنتفضون من أجلها”.
وأصدر قادة الحراك في إدلب بياناً، أكدوا فيه أن “إصلاحات الجولاني بعيدة كل البعد عن مطالب الحراك لأن المطلب الأول هو تنحي الجولاني بسبب الانقسامات الكبيرة الناتجة عن وجوده بقيادة المنطقة، وفي غياب تحقق طلب التنحي لا يمكن الانتقال للمطالب الأخرى الاقتصادية والاجتماعية”.
وأشار البيان إلى أن “الحراك تعبير عن مجموعة مطالب محقة بسبب سياسة هيئة تحرير الشام الإقصائية التي استأثرت بالسلطة لنفسها”.
ولخّص قادة الحراك مطالبهم بأربعة بنود “الأول: إسقاط الجولاني (زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع)، والثاني: حل جهاز الأمن العام، والثالث: تشكيل مجلس شورى منتخب، والرابع: تبييض السجون من معتقلي الرأي”.
أطراف مستفيدة من الحراك:
اعتبر رئيس وزراء “حكومة الإنقاذ” التابعة لـ”الهيئة” أن الحراك الشعبي في إدلب تم امتطاؤه من قبل أحزاب أيديولوجية وتنظيمات وفصائل سابقة، ما تسبب بحرفه عن هدفه ومطالبه الحقيقية.
وفي هذا الصدد، تؤكد التقديرات أن فصائل “الجيش الوطني” التابعة لتركيا والمناهضة لـ”الجولاني”، ترى في الحراك وسيلة لإشغال الأخير عنها بعدما حاول مرات عدة السيطرة على معابر الشمال السوري، وإشعال صراعات بين فصائل “الجيش الوطني” وكان آخرها الاقتتال الذي حدث في عفرين بين فرقة “الحمزات” و”أحرار الشرقية”، إذ كانت “هيئة تحرير الشام” الطرف المحرك لهذا الاقتتال، ولهذا تسعى هذه الجماعات إلى مفاقمة الوضع في إدلب بدعم الحراك مادياً ولوجستياً، لدفع القائمين عليه نحو الثبات على موقفهم وتحقيق غايتهم المتعلقة بـ”إسقاط الجولاني”.
مستجدات تطرح تساؤلات عدة:
نظراً إلى خريطة السيطرة في مناطق شمالي وشمال غربي سوريا، وتعدد الجهات الفاعلة في تلك المناطق، فإن تطورات الحراك ضد “الجولاني” تثير تساؤلات عدة، أبرزها “هل سيستجيب الجولاني لمطالب المتظاهرين ويتنحى؟، هل لتركيا رغبة أو مصلحة بتنحي الجولاني؟، ماذا عن دمشق ودورها في هذه المظاهرات؟”.
ففيما يتعلق بالاستجابة لمطالب المتظاهرين من قبل “الجولاني” تؤكد التقديرات أن الأخير لا يملك خيار التنحي أو التنازل عن “إمارته الإرهابية” فهو شخصية فقدت معظم حلفائها، وبات مؤخراً على خلاف مع جميع “الحركات الجهادية” التي عمل معها خلال العقدين المنصرمين، لذلك بات خياره الوحيد هو البقاء في منصبه واعتماد “جهازه الأمني” في التصدي لهذه الاحتجاجات.
وبخصوص موقف أنقرة، فتركيا لها دور واضح ومؤثر في جبهات الشمال السوري كافة، فهي قوة الاحتلال القادرة على خلق حالة توازن بين جميع الفصائل المسلحة في الشمال، لكن لها موقفاً من “الجولاني” كونه تمرّد على دورها ورفض التبعية الكاملة لها، لذلك من مصلحتها تنحي “الجولاني” وتولي بديل عنه لا يختلف عن قادة “الجيش الوطني” التابع لها.
وفيما يتعلق بالسؤال الثالث: فإن دمشق ترى في الحراك عامل إضعاف وتشتت داخل بيئة “النصرة” التي تُعد “أخطر التنظيمات الإرهابية” التي تواجهها وأكثرها تنظيماً وتسليحاً.
ومع كل هذه التناقضات نرى أن “الجولاني” يمر بأصعب مرحلة من تاريخ سيطرته على إدلب كون المظاهرات والفوضى والانشقاقات باتت داخل عقر داره.
حسام طالب- باحث سياسي سوري