خاص|| أثر برس بالتزامن مع انعقاد قمة جامعة الدول العربية بدورتها العادية الثالثة والثلاثين، وبحضور دمشق للمرة الثانية منذ صدور قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، تُثار التساؤلات حول جديّة مسار التقارب العربي- السوري ومدى فاعلية الخطوات التي اتخاذها بهذا السياق.
وما يُثير الشكوك أيضاً حول جدية هذا المسار هو استمرار واشنطن بالإعراب عن انزعاجها من التقارب العربي من دمشق، مؤكدة في الوقت نفسه أنها تتفهم الموقف العربي من هذه التقارب وضروراته.
وفي هذا الصدد، أشار المحلل السياسي السوري الدكتور أحمد الدرزي، في حديث لـ”أثر برس” إلى أن القرار العربي الذي قضى بالتقارب من دمشق لم يأتِ من فراغ، موضحاً أن هذه الدول باتت بحاجة إلى التنسيق بشكل مباشر مع سوريا، لحل جملة من الملفات التي باتت تهدد الاستقرار في المنطقة بشكل واضح، سيما في الدول التي ترتبط مع سوريا بحدود مشتركة وتتداخل معها ديموغرافياً، وقال: “كان لا بد من محاولة احتواء سوريا ضمن النظام الإقليمي، بما يؤمن الاستقرار للدول العربية، وسوريا لها دور مهم في هذا الاستقرار بوصفها عقدة وصل ما بين إيران والعراق وشرق البحر الأبيض المتوسط (لبنان وفلسطين المحتلة)”.
وحول موقف واشنطن من هذا التقارب، أكد الدرزي أن “الخطة عُرضت على الولايات المتحدة الأمريكية من قِبل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، فحصل على الضوء الأخضر الأمريكي، شرط أن تكون العودة على مبدأ خطوة مقابل خطوة”، موضحاً أن “خطوة مقابل خطوة كانت استراتيجية بعيدة لتغيير البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لسوريا على مدى زمني بعيد مقابل تحولها عن اصطفافاتها الإقليمية”.
تقارب من دون تقدّم:
على الرغم من الضرورة الإقليمية التي فرضت عودة دمشق إلى محيطها العربي، فإن هذا المسار لم يشهد سوى خطوات متواضعة وبطيئة، وفي هذا السياق أكد الدكتور أحمد الدرزي، أن مسؤولية هذا البطء تقع بالدرجة الأولى على الجانب العربي مشيراً إلى أن “الخطوة الوحيدة التي قُدّمت لسوريا هي السماح للطيران المدني السوري بالهبوط في مطارات المملكة العربية السعودية، وتفعيل حركة النقل ما بين سوريا وبين السعودية بالإضافة إلى افتتاح القنصلية السعودية وهذه خطوة بسيطة إذا ما نظرنا إلى حجم الضغوط التي يتعرض السوريون لها، وهذا يعني أننا أمام مسار طويل بالعلاقات العربية- السورية”.
وأضاف أن “الدول العربية تبحث عن خطوات تتيح لها التدخل في البنية السياسية الحالية في سوريا وإجراء تغييرات جوهرية في البنية الاقتصادية بما يبقى بسوريا ضمن النظام الإقليمي العربي الذي يدور ضمن الفلك الأمريكي”.
وأشار الدرزي، إلى أن الرئيس الأسد، حاول في القمة الإشارة إلى انزعاج بلاده من هذا البطء وذلك بامتناعه عن إلقاء كلمة خلال القمة، موضحاً أن هذه “رسالة مبطنة تحمل شكلاً من أشكال الاعتراض مع الحرص على الاستمرار بالعلاقات العربية”.
وخلُص الدرزي في حديثه إلى أن التناقض واضح بأهداف كل من الطرفين العربي والسوري، مشيراً إلى أن “هذا التناقض يمنع إحراز تقدم في الوقت الحالي، وقال: “المساحة المشتركة حتى الآن للقاء بين أهداف الجانبين العربي والسوري ما زالت محدودة، وننتظر تغيرات جيوسياسية وتحولات على مستوى المنطقة بعد انتهاء معركة طوفان الأقصى وظهور قوى المقاومة بالموقع الذي يليق بها بعد إنجازاتها خلال العقود الأربعة الماضية”.
يشار إلى أن تؤكد دمشق أنها سارت في خطوات عدة باتجاه الحل من دون أن تلقى مقابلاً من الدول العربية، فبعد نحو شهر من قمة جدة التي عُقدت في أيار 2023، قال وزير الخارجية فيصل المقداد، في لقاء صحافي، تعقيباً على مخرجات قمة جدة وسياسة “خطوة مقابل خطوة”: “فيما يتعلق بنا في سوريا أؤكد لكم أننا سِرنا مئات الخطوات، والتي لم نلق، مقابلها، أي خطوة من الأطراف الأخرى”، وفي الوقت نفسه تشدد دمشق على تمسكها بمبادئها وتحالفاتها.
يُذكر أن دمشق عادت إلى مقعدها في جامعة الدول العربية بموجب قرار صدر عن الجامعة في 7 أيار 2023، ونص على نقاط عدة منها “تشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من وزراء خارجية: الأردن، السعودية، العراق، لبنان، ومصر، بالإضافة إلى الأمين العام”، لمتابعة تنفيذ بيان عمّان إلى جانب “الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها، والالتزام بالبيانات العربية الصادرة عن اجتماع جدة بشأن سوريا يوم 14 نيسان 2023، واجتماع عمان بشأن سوريا يوم الأول من أيار 2023، وتأكيد ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة، وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، والاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السورية يعالج جميع تبعاتها، واستئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها”.
زهراء سرحان